للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للآحاد صرَّح بمثل ما صرَّح به السيد بالتكذيب من غير تردُّدٍ البتة.

المرجِّح السادس: أنا قد وجدنا في كتاب الله تعالى شواهد لِمَا ورد فيها من المتشابهات، وقول السيد: إن المتشابه الذي في القرآن جليٌّ قريبٌ، مثل قوله تعالى: {بَلْ يداه مبسوطتان} [المائدة: ٦٤] لا يصلح أن يُقال لمن يعرف القرآن ويدري ما فيه، وهذه الآية ليست مِنَ المتشابه الذي لا يعلمه إلاَّ الله والرَّاسخون في العلم، بل هي من المجاز الجليِّ الذي يعلمه من سمعه من أجلاف عُبَّاد الأصنام، وذلك لأن بسط اليدين -كما قال السيد- معروفٌ عند العرب أنه كنايةٌ عن الكرم، وهو كنايةٌ عندهم مشهورةٌ، كطول النِّجاد، وكثرة الرَّماد، وما كان مشهوراً عندهم، لم يكن من المتشابه المختصِّ بالراسخين، وإنما ظهر الأمر في ذلك عندهم لوضوح القرينة، وذلك أن الكلام واردٌ مورد المدح والثناء، وغير خافٍ على كل عاقلٍ أن مجرد بسط اليدين ممَّا لا مدح فيه ولا ثناء (١)، فبسط اليدين الحقيقي هو صفة الميت، وصفة الأخطل وكثيرٍ من أهل العاهات.

فلا يشكُّ من سمِعَ تمدُّح ربِّ الأرباب بذلك، لم يُرِدْ هذا الوصف الحقيقي مجرّداً عن الكناية عن جُوده الواسع، ومعروفه الدائم، وأنه إنما أراد ما تعارفته العربُ في لسانها وتداولتها (٢) البلغاء في خطابها من الكناية عن الكرم والجُود الفائض.

والسيد قد اختار هذه الآية، وزعم أنها من متشابه القرآن، وأومأ إلى أن بقية المتشابه في القرآن من هذا القبيل، ثم اختار أدقَّ ما في كتب الحديث من المتشابه، وأشار إلى أن بقية ما ورد فيها مِنْ ذلك القبيل، وليس كما أوهم (٣) في الجانبين، ففي القرآن ما هو أدقُّ من تلك الآية، وفي السنة ما هو أوضح من تلك الأحاديث.


(١) " ولا ثناء " ساقطة من (ش).
(٢) في (ش): " أو تداولتها ".
(٣) في (ش): " وهم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>