للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإصغاء إلى جانب الشك، وقال ابن عربي الصُّوفي في " الفتوح المكية "، في مقام المعرفة، في النوع السادس من علوم المعرفة، وهو علم الخيال وعالمه المنفصل والمتصل. وهو ركنٌ عظيمٌ من أركان المعرفة، وهذا هو علم البرزخ، وعلم عالم الأجساد التي تظهر فيها الروحانيات، وهو علم سوق الجنة والتجلي الإلهي في القيامة في صورة التبديل، وهو علم ظهور المعاني التي لا تقوم بنفسها مجسدة مثل الموت في صورة كبش، وعلم ما يراه النائم، وعلم المواطن التي يكون فيها الخلق بعد الموت وقبل البعث، وفيه تظهر الصور المرئية في الأجسام الضيائية، يعني المرايا، وهو واسطة العقد، إليه تعرج الحواسُّ، وإليه تنزل المعاني، وهو لا يبرَحُ عن موطنه تعضده الشرائع، وتثبته الطبائع، فهو المشهود له بالتصرف التامِّ، وله التحام المعاني بالأجسام محير الأدلة والعقول.

انتهى ذلك، ويعني بالمتصل: السريع انكشاف بطلانه، وبالمنفصل: البطيء، والله أعلم.

فإذا تقرر هذا، فاعلم أن جماعة من العلماء قد صاروا إلى تأويل أمورٍ كثيرةٍ بهذا الوجود الحسي، فمن ذلك حديث الترمذي في النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أتاني ربي هذه الليلة، فقال لي: أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ " (١). فهذا الإتيان لا يجوز أن يكون موجوداً في الحقيقة، فوجب صرفه إلى الوجود الحسي، وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث في " الترمذي " مفسراً (٢) بأنها رؤية منامٍ نصَّاً لا تأويلاً.

ومن ذلك حديث حمَّاد بن سلمة مفتي أهل البصرة، فإنه روى عن ابنِ عباس في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه جل جلاله حديثاًً شديد النكارة، تقشعر لذكره الجلود، ذكره الذهبي في ترجمة حمادٍ (٣)، وساق طُرُقَه، ثم قال: فهذه الرؤية.

إن صحت رؤية منامٍ.


(١) تقدم تخريجه ١/ ٢١٨ - ٢١٩.
(٢) " مفسراً " ساقطة من (ش).
(٣) في " ميزان الاعتدال " ١/ ٥٩٣ - ٥٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>