للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند الكثيب الأحمر" (١)، مع أنه رآه في السماء في ليلة المعراج وهذا مقام وَعْرٌ.

الصورة الثانية: اشتهر عند أهل العلم أن من خواصِّ بعض المرآة أن يرى منها الدنيا كلها، وهي المرآة المسمى بمرآة المنجِّم، وفيها يقول المعرِّي (٢):

لقد عَجِبُوا لأهل البيت لما ... أتاهم عِلُمهم في مَسْكِ جَفْرِ

ومرآة المنجِّم وهي صُغرى ... أرتْهُ كلَّ عامرةٍ وقَفْرِ

وقد اشتهرت الرواية، بل تواترت، عن حيٍّ القاضي شرف الدين حسن بن محمد النَّحوي رحمه الله أنه رأى هذه المرآة مع بعض السَّيَّاحين، وأراه فيها أقاليم الدنيا، ومدائن الإسلام، وأراه فيها ما يعرفه القاضي من بعض مزارع صنعاء وحوائطها، ليعرف صِدقَه فيما يجهله من سائر ما رآه في الأقاليم، وحدثني (٣) بذلك عن القاضي رحمه الله غير واحد من الثقات.

الحجة الثالثة عشرة: أنه قد ثبت بالضرورة أن العاقل المستيقظ الصحيح قد يتخيَّل الشيء الواحد اثنين، والقائم مُعوَجَّاً، كما يتخيل العمود في الماء، فدل على جواز هذا، لأن كل واحدٍ منهما نظر (٤) كاذبٌ في اليقظة والصحة، وإنما كذب لخللٍ وقع، وعذرٍ اتفق في بعض هذه الحجج ما يقرب، وفيها ما هو ضعيفٌ، والله أعلم.

فإذا عرفت هذه الجملة، فلا بد من تفرقة بين الرؤية الحقيقية والحسية، وإلا لزم مذهب بعض منكري العلوم، والفرق في ذلك واضحٌ وهو أن الرؤية الحقيقية تفيد العلم الضروري بالوجود الحقيقي الذي لا يقبل التشكيك مع


(١) أخرجه من حديث أنس ابن أبي شيبة ١٤/ ٣٠٧ و٣٠٨، وأحمد ٣/ ١٢٠ و١٤٨ و٢٤٨، ومسلم (٢٣٧٥)، والنسائي ٤/ ٢١٥ و٢١٦، وابن حبان (٤٩) و (٥٠).
(٢) في " اللزوميات " ٢/ ٥٥٣. المسك: الجلد، والجفر: ولد المعزى، وقد تقدم الكلام على الجفر في الجزء الأول.
(٣) في (ش): " وحدث ".
(٤) " نظر " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>