للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطوقه، يقول: أنا كَنْزُك، أنا كَنْزُكَ". رواه البخاري والنسائي (١)، وله شواهد، والحجة: " يمثل ".

الحجة الثانية عشرة: أن ذلك من العلوم الضرورية التجريبية الحاصلة لمن ارتاضَ على مُلازمة الخلوة والذكر على شروط أهل التصوُّف، وقد ذكر الرازي في " مفاتح الغيب " أن أهل الخلوة يسمعون أصواتاً لا يشكُّ فيها، وأن هذا مما أقرَّت به الفلاسفة، لأنهم من أهل الخلوة والرِّياضة، ولم يقع النِّزاع في هذا، وإنما رُوِيَ النِّزاع في ماهيته، فروي عن (٢) الفلاسفة أنه تخيُّلٌ كالمنام، ولا حقيقة له، واختار الرازي أنه حقيقةٌ، قال: ولا مُوجب للقول بأنه تخيل.

وهذا يقتضي أن هذا (٣) أمرٌ مشهورٌ متواترٌ عن أهل الرياضيات، لكنه لا حجة فيه، وإن سلمنا صحته، إذ لا دليل على وجود تلك الأصوات وجوداً ذاتياً، وإنما تصير إلى الوجود الحسي في بعض المواضع، لتعذُّر الوجود الذاتي، ولكن يقوي قولهم إن صحت لهم التجربة الضرورية غير المسموع من الأصوات، وقد ادَّعوا ذلك في صورتين:

الصورة الأولى: ادعى أهل الرياضات من الصوفية أنهما يشاهدون ما خلف الحجاب الكثيف في حال اليقظة، وتواتر هذا عنهم، وهم جمعٌ عظيمٌ، لا يجوز عليهم التَّواطُؤُ على محض البَهت والكذب، فوجب حملُه على الوجود الحسِّي، إذ يستحيل عند جماعة المحققين من أهل الكلام أن يرى ما خلف الحجاب الكثيف، وأما الصوفية، فيسمونه عالم المثال، وقد جمع بعضهم به بين أحاديث ظاهرها التعارض، مثل قوله: "رأيت موسى قائماً في قبره يصلي


(١) البخاري (١٤٠٣) و (٤٥٦٥)، والنسائي ٥/ ٣٩، وأخرجه أيضاً أحمد ٢/ ٢٧٩ و٣٥٥، وابن حبان (٣٢٥٨).
(٢) " عن " ساقطة من (ش).
(٣) في (ش): " أنه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>