للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّرب، والساقي، والشذا، والحان، والنشوة، والدِّنان، وختم الإناء، والنضيج منها، والكرم الذي عنها منه (١) والحائط الذي كانت عروش العنب نيه، والسكر منها، والتهنئة لأهل الدير الذين سكِرُوا بها، وذكر مزجها، وشربها (٢) صرفاً على الألحان التي تُصاحِبُها في العادة، وزوال الهم معها، ونحو ذلك.

فمن قال: هذا شعرٌ ركيك، غير بليغٍ، ولا فصيحٍ، فهو بهيمي الطبع، جامد القريحة، ومن أقر أنه عربيٌّ بليغٌ، في أعلى طبقات الصنعة البديعة عند أهل هذا الشأن، لزمه أن يقول فيما هو أقل منه ترشيحاً بدرجاتٍ كثيرةٍ من الكتاب والسنة أنه يستحيل أن يكون له تأويلٌ ووجهٌ في اللغة العربية عند جميعِ من أظلت السماء من أول الدهر إلى آخره من جميع الفُطناء والعلماء والبلغاء، وأرِنَا أيَّ تجوز في السنة بلغ إلى هذا المبلغ الذي ذكرته لك في البعد على الحقيقة، أو بلغ في الخفاء مبلغ بيت الزمخشري المقدم:

وقد خطبتُ على أعواد منبره ... سبعاً رقاق المعاني جَزْلَةَ الكَلِمِ

ومن يفهم من هذا البيت الكناية عن التَّمتُّع بالنساء، وأين في الكتاب والسُّنَّة نظير هذا؟.

فإن قلت: إن هذه المبالغات لا تجوز إلاَّ في الأشعار، لأنها كذبٌ محضٌ، والقرآن والسنة لا يجوز فيهما الكذب.

قلت: هذا جهلٌ بالبلاغة في اللغة، بل جهلٌ بالكتاب والسنة، لو لم يرد في جواز هذا والشهادة له بالبراءة من الكذب إلاَّ قول الله تعالى: {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} [الإنسان: ١٩]، فإنا نقطع أن من رأى الوِلدان الحِسَانَ لا يحسبهم لؤلؤاً منثوراً على الحقيقة، وإنما معنى الآية الشريفة: أنهم حسانٌ لا سوى، وكذا قول الكاتب: كلام لو مُزِجَ به ماء (٣) البحر لَعَذُبَ، ليس بكَذِبٍ،


(١) في (ش): " الذي منها ".
(٢) " وشربها " ساقطة من (ف).
(٣) " ماء " ساقطة من (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>