للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحديث إلاَّ راوٍ واحد، حكم بتكذيبه، وإن كان راوياً عن غيره كرجال السند، فإما أن يكون السند بلفظ سمعتُ ونحوه، حكم بأن فيهم كاذباً غير معيَّنٍ، وإن كان بلفظ العنعنة ونحوها، واحتمل التدليس من بعضهم، وكان ظاهرهم العدالة حكم برد الحديث، وبعدالة الرواة، لأن الحكم بتعمد الكذب على الثقاتِ المعروفين بعيدٌ، فإن غلب على الظن أن الراوي تعمد الكذب، فإن كان ممن ظاهره العدالة والستر، لم يحل القول بأنه كذاب، وجاز التعريف بتلك القرائن الموجبة لتهمته بالكذب، وإن كان مجروحاً، وكثُرتِ القرائن الدالة على تعمده للكذب، فقد اختلفت طرائق أهل الأثر في هذا فمنه من يتجاسَرُ على وصفه بالكذب عملاً بالظن القوي المستند إلى الأمارات الصحيحة، مع القطع على أن الرجل مجروحٌ، وأهل التَّحرِّي منهم يقولون: متهمٌ بالكذب، وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى.

وأحسن المحامل الوهميَّات، الحكم بالوهم في نسبة الكلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يحتمل أن يكون الراوي واهماً في نفس الكلام، وذلك مثل ما رُويَ أن أبا هريرة وكعب الأحبار كانا يجتمعان، فيحدِّث أبو هريرة عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ويحدِّثُ كعب الأحبار عن أهل الكتاب، والناس فجتمعون، فإذا راحوا حدثوا بما سمعوا، فربما وهِمَ بعض من ليس من أهل الحفظ، لا سيما مع عدم الملاحظة والدرس والتيقظ، لما في ذلك من الخلل العظيم فيحسب أن الذي سمع عن كعبٍ، عن أهلِ الكتاب (١) مما سمعه عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرويه كذلك (٢).


(١) " عن أهل الكتاب " ساقطة من (ش).
(٢) أخرجه الإمام مسلم في كتابه " التمييز " ص ١٢٨: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، حدثنا مروان الدمشقي، عن الليث بن سعد، حدثني بكير بن الأشج، قال: قال لنا بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفَّظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نُجَالِسُ أبا هريرة، فيحدث عن رسول الله، ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط =

<<  <  ج: ص:  >  >>