للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل هذا إذا وقع حُكِمَ على صاحبه بالوهم حيث وهم، ولم يُجرح بالمرة، ويُطرح كل ما روى، إلاَّ أن يكثر منه الوهم، ويعرف بالبلة كما تقدم، ومثل هذا إذا اتفق، لم يبطل به علم الأثر، فإنه لو بطل علم الأثر بمثل هذا، لبطل أيضاً علم النظر بمثله، فإن الخطأ قد يقع كثيراً من حُذَّاق النُّظَّار وأهلِ التحقيق في الكلام، وتجد الأقوال الركيكة صادرةً عن أئمة علم المعقول، فكما أن علم النظر لم (١) يبطل بذلك، فكذلك علم الأثر لا يبطُلُ باتفاق الخطأ النادر، ولو كان ذلك يقدح، لحَرُمَ على الإنسان الرجوع إلى نفسه في كثير من المسائل والأحوال، لأنه قد يعلم من نفسه أنه قد وهِمَ وغلِطَ، والفطين يعلم أن ذلك جائزٌ عليه، وإن لم يكن قد اتفق له، مع أنه لا يوجد من لم يتفق له الوهم والخطأ، ولأنه كان يلزم مثله في أحوال الدنيا، فلا يعمل بخبر ثقةٍ أبداً، لأنه قد ينكشف عليه الوهم في نادر الأحوال، وذلك باطلٌ بالضرورة، وخلاف إجماع العقلاء.

فإن قلت: فرقٌ بين علم النظر والأثر، فعلم النظر يجب الوصول فيه إلى العلم، وبعد ذلك يحصلُ الأمان من الخطأ.

قلت: هذا صحيح، وعلم الأثر أيضاً قد حصل لنا العلم أن التكليف فيه بالظاهر المظنون دون القطع على الصحة في الباطن، فمتى سلم لنا الظاهر، فقد حصل العلم لنا أن قَبُولَه تكليفنا، ولا يضرُّنا ما وقع من الثِّقات من الخطأ، فمتى كثر وزال معه الظَّنُّ للصواب، بطل التكليف بخبر من هذه حاله.

إذا تقرر هذا، فاعلم أنه لا يحل القطع بأن المحدثين تعمدوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره السيد، وإن وجدنا في الحديث ما يُعلم قطعاً أنه لا (٢) يصدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لاحتمال الوهم فيه أو التدليس عمن يقوى في الظن


= مسلم، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن عبد الرحمن، ومروان الدمشقي فمن رجال مسلم.
(١) في (ش): " لا ".
(٢) في (ف). " لم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>