للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهل من هو معرفٌ أنه ليس من المجتهدين وجهل الراسخين في العلم حتى يستدل بأحدِهما على الآخر (١)، ولو كان يصح الاستدلال على جهل العلماء بجهل غيرهم، لوجب أن يكون العلماء لا يعرفون إلاَّ ما يعرف، وفي هذا غاية الفساد، وهذا الموضع يحتمل التطويل بإيراد أسئلةٍ ومعارضاتٍ ومُطالباتٍ لمدعي المعرفة بتأويل القرآن أن يفسِّرَ لنا آيات من القرآن العظيم، مثل قوله: {كهيعص} [مريم: ١]، وطلب الدليل على التفسير الذي يقوله: هل هو مجرد تجويزٍ؟ فليس بتفسيرٍ، أو هو قولٌ عن دليلٍ؟ فما ذلك الدليل؟ هل هو نص نبوي، أو نص لغوي، أو برهان عقلي، ويتفرع في هذا المقام أسئلة عويصة ومباحث صعبة تركتها اختصاراً وقد أوردتها في كتاب " ترجيح أساليب القرآن " (٢).

الفصل الثاني: في المعارضات

وقبل الخوض فيها، أذكر مقدمة، وهي (٣) أنه لا يلزمُني أن أقول بقوَّة الأسئلة التي أوردها، ولا أعتقدها، ولا يظن هذا إلاَّ من لا يعرف معنى المعارضة عند أهل النظر، وذلك لأنها تقتضي أن نُورد على الخصم مثل ما احتج به، وإن كان ضعيفاً عند المُورِدِ له، بل وإن كان باطلاً، وإنما يُورد لوجهين:

أحدهما: ليدفع المورد له عن نفسه ما يرِدُ عليه من ذلك القبيل، فيدفع الباطلَ بالباطلِ، ويكتفي بالشر من غير خُروجٍ من حقِّ، ولا دُخُولٍ في باطلٍ، ومثال ذلك قول أصحابنا والحنفية في الاحتجاج بالقيافة (٤) على المنافقين،


(١) في (ف): " بالآخر ".
(٢) انظر ص ١١٢ وما بعدها.
(٣) في (ف): " وهو".
(٤) القيافة: تتبع الأثر، يقال: قفوتُه أقفوه وقُفته أقوفُه وقفيتُه: إذا اتبعت أثره، والقائف يتبع الآثار، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه، وحديث القيافة رواه البخاري (٦٧٧٠) و (٦٧٧١)، ومسلم (١٤٥٩) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل =

<<  <  ج: ص:  >  >>