للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن الملائكة عليهم السلام ما عرفوا حكمة الله في جعل آدمَ خليفةً في الأرض، فقالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}، فلم يجب عليه إلاَّ بالجواب الجُمليِّ، فقال الله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون} [البقره: ٣٠] فإذا كفى الملائكة العلم الجمليُّ، كفى كثيراً من المسلمين.

فإن قلت: فرقٌ بين الأفعال والأقوال، لأن الإيمان بحُسْنِ الأفعال على الجُملة تكفي، وأمَّا الأقوال، فلا بد من فهم معناها، وإلا لكان الخطاب عبثاً، والعبث لا يجوز على الله تعالى.

قلت: ما مرادك بقولك: يجب فهم معناها؟ هل تريد على جميع المسلمين أو على علماء المسلمين؟ فإن قلت: على جميع المسلمين، كنت قد جمعت بين المُناقضة والمباهتة.

أمَّا المناقضة، فحيث منعت المعرفةَ بتفسير كتاب الله في أوَّل جوابك، ثم أوجبت العلم بمعانيه في آخره.

وأما المباهتة: فلأنَّ الأمة مجمعةٌ إجماعاً ضرورياً على أن العلم بجميع معاني كلام الله تعالى جَليِّها وخفيِّها ومُحكمها ومتشابهها لا يجب على النساء والإماء والفلاحين وسائر عامَّة المسلمين.

فإن قلت: إنه لا يجب أن يكون كلام الله معلوم المعنى إلاَّ لعلماء المسلمين، فلم ننازِعْكَ في هذا، ولكنك ادعيت في كتابك أنك لست من العلماء، ولا ممن يعرف معاني كلام الله، لأنك شككت في إمكان الاجتهاد، ولا يصح هذا الشك وأنت مجتهدٌ.

وأما التفسير، فمنعت أنت معرفته بالمرة، فلا يجب إذا لم تعلم تأويل أغمضِ المتشابهات أن تقطع على عجز العُلماء الراسخين، مستدلاً على عجزهم بأنك عجَزت عَنِ المعرفة، لأنه لا مُلازمة في العقل ولا في الشَّرع بين

<<  <  ج: ص:  >  >>