للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن كان لا يمنعُ، جاز تأويل تلك (١) الأحاديث، ولم يمنع لمجرد الاستبعاد، وإن كان يمنع، فهذا التأويل المذكور في هذه الآية بعيدٌ لوجوه:

الوجه الأول: أنه لو أراد دليلَ الأعراض، لكفاه الاستدلالُ بدليلِ الأعراض على النجم، ولم يحتج إلى إعادة الدليل في حق القمر، ثم في حق الشمس، لأن دليل الأعراض دليلٌ كليٌّ، يدخل تحته، كل جسمٍ صغيرٍ أو كبيرٍ، ولو كان المستدل به كلما رأى جسماً، لم يكفه ما مضى من الاستدلال حتَّى يعيد الدليل، لم يزل مستدلاً وهذا شيء لم يقل به أحدٌ.

الوجه الثاني: لو أراد ذلك، لم يكن لتخصيصها بالاستدلال معنى، فإن الحركة والسكون، جائزان على كلِّ جسمٍ من الحجارة والشجر والتراب والحيوان والسماء والأرض، فما خصَّ النجم ثم القمر ثم الشمس؟!

الوجه الثالث: أنه لم يحصل فيها دليل الأكوان مثل غيرها، لأنه عليه السلام ما رآها إلاَّ متحركةً فقط، ولا استدل إلاَّ بالأفول الذي يستلزم الحركة، وهو غير دليل الأكوان، فإنه لا يصح إلاَّ بالنظر إلى الحركة والسُّكون معاً.

الوجه الرابع: أن إبراهيم عليه السلام قد علم أن الشمس والقمر كانا آفِلَيْن قبل شروقهما، فلو استدل على طريقة المتكلمين في الأكوان، لم يكن الأفول الثاني بأدل على حدوثها من الأفول الأول.

الوجه الخامس: أن مسير هذه الأشياء إلى وسط السماء أو أقل من ذلك مثلُ أُفولها بالنظر إلى دليل الأكوان، لأن القليل والكثير من ذلك دالٌّ على الحركة والنقلة التي تدل على الحدوث.

الوجه السادس: أنه حين قال في القمر: هذا ربي، تأخر عن الجواب إلى أن غرب القمر في آخر الليل، ثم فعل ذلك في الشمس، فتأخر عنِ الجواب من طلوعها إلى غروبها، وذلك يبعُدُ من المحتج على غيره لوجهين:


(١) " تلك " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>