أحدهما: أن الخصم لا ينتظره في المجلس الواحد يتطلب الجواب يوماً وليلةً.
وثانيهما: أن المحتج على الغير لا يجوز أن يسلِّمَ للغير ما يدعي إلاَّ ويبين للغير في تلك الحال، أن تسليمه تسليم جدلٍ، ثم تعقَّبه بإبطال كلامه من غير تراخٍ، لأنه لو جاز أن ينطِقَ بالكفر، ويسلمه للخصم يوماً كاملاً مع حضور الدليل، لجاز ذلك شهراً أو سنة والعمر كله.
الوجه السابع: أنه عليه السلام قال عقيب أُفول القمر: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّين}. وهذا لا يقوله المناظر (١) في مثل هذه الحالة المجادل فيها عن الحق المُبين للغير، وإنما يقوله الناظر المتحيِّر في الاستدلال.
الوجه الثامن: أنه قال في الشمس: {هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَر}. وهذا لا يشبه كلام المجادلين للغير، المحتجين بدليل الأعراض، لأن ما كثر نوره مثل ما قل نوره بالنظر إلى دليل الأعراض، بل الجسم المنير والمظلم بالنظر إلى ذلك على سواءٍ.
الوجه التاسع: أنه قال: هذا ربي، ولم يقل للخصم: هذا ربك، ولا قال: هذا ربنا، ولا قال: هذا رب، وقلَّما يتفق مثل هذا من مُخاصمٍ لغيره وإن كان ذلك جائزاً، لكنه بعيدٌ.
الوجه العاشر: قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} فهذا يشعر بأن علة رؤيته للكوكب جنونُ الليل عليه، وعلة قوله: هذا ربي رؤيةُ الكوكب، كما تقول: فلما دخلتُ دار الإمارة، رأيتُ رجلاً وسيماً، قلت: هذا الأمير، ولو كان كما قالوا مخاصماً لغيره، لكان القياسُ: فلما قيل له: هذا ربُّك، قال: هذا ربي.