للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الحادي عشر: قوله تعالى بعد هذه الآية: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّه} [الأنعام: ٨٠]، فعطف على هذه القصة قصةً أخرى، معناها أن إبراهيم تحاجَّ هو وقومه، فلو كانت القصة الأُولى محاجة مع قومه، لما حَسُنَ بعد الفراغ منها أن يُقال: وحاجَّه قومه كما لا يقال: اختصم زيدٌ وقومه في قِدَمِ العالم، فقال: إن ما فيه من الصنعة تدل على حدوثه، واختصم قوم زيد وزيد في حدوث العالم.

الوجه الثاني عشر: أن سياق الآية من أولها يدل على بعد التأويل، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: ٧٥ - ٧٦] الآية، فظاهر هذا السياق يدلُّ على أن الله تعالى أراه الملكوت ليؤمن بالله تعالى ويستدل عليه، لا ليناظر ويجادل، وفي هذا السياق ما يدل على أن إبراهيم عليه السلام ما كان قد رأى السماوات والأرض، وأنه كان محجوباً، كما قد رُوِيَ ذلك (١).

فإذا تأملت هذه الوجوه حق التأمل، وتركت العصبية، علمت أن قول الزمخشري وغيره بعيد في تأويل هذه الآية، وأين هذه الآية من دليل الأكوان الذي ينبني على أربع دعاوي، وهي أن (٢) الأجسام لا تخلو من الأعراض، ولا تتقدمها، وأن الأعراض أمورٌ ثبوتيةٌ، وأن هذه الأعراض محدَثَة، وأن ما لم يخل من المحدث، ولم يتقدمه، فهو محدث مثله.

وإذا كان هذا التأويل قد صدر من علامة المعاني والبيان، وإمام البلغاء بغير منازعةٍ، وكان الجِلَّةُ من العلماء مستمرين على قراءته من غير اعتراضٍ عليه، ولا تشكيكٍ فيه، فإني سأبيِّنُ أن تأويل تلك الأحاديث التي أنكر السيد تأويلها قريبٌ من هذا على قانون أهل التأويل، وهذا على بعد الزمخشري من التأويلات البعيدة.


(١) " ذلك " ساقطة من (ش).
(٢) " أن " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>