للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربكم، وكذلك قولهم: أنت ربنا: أي رسول ربنا، وإذا جاز تأويل لفظٍ على معنى، جاز تأويله على ذلك المعنى، وإن تكرر منه مرة فالعمدة أن الدليل العقلي صارف عن الظاهر، وإلا فالذي في القرآن من المتشابه في هذا المعنى يوهم أنه على ظاهره لو لم يكن ثمَّ دليل عقليٌّ يوجب التأويل من غير خلافٍ في هذا، وقد ذكرنا في المقدِّمات أن الترشيح لغويٌّ صحيحٌ متى ثبت معرفة المخاطب بالتجوز، وتقدمت أمثلة ذلك، فلا ينكر ما ورد من ذلك ولو كثر وإنما تجد النكارة لعدم وضوح الدليل في نفس السامع تارة، وفي نفس الأمر أخرى إلا من سمع جناح الذل لا يجد شكاً في معرفة المعنى وأنه مجاز وإن لم يكن من العارفين بخلاف من سَمِعَ قوله تعالى في آدم عليه السلام: " خَلَقْته بيدي " وقد ذكر النووي في " شرح مسلم " (١) تأويل هذا الحديث فقال ما لفظه: وقيل: المراد يأتيهم الله، أي: يأتيهم بعض ملائكته. قال القاضي عياض: وهذا الوجه أشبه عندي بالحديث. قال: ويكون هذا الملك الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات (٢) الحديث الظاهرة على الملك والمخلوق.

قال: أو يكون معناه: يأتيهم الله في صورةٍ أي بصورةٍ ويُظهر لهم صورة ملائكته ومخلوقاته التي لا تُشبه صفات الإله ليختبرهم (٣). وهذا آخر امتحان المؤمنين، فإذا قال لهم: هذا الملك، أو هذه الصورة: أنا ربكم، رأوا عليه من سمات المخلوقين ما يعلمون به أنه ليس ربهم، ويستعيذون بالله منه.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - (٤): " فيأتيهم الله في صُورته التي يعرفون بها "، فالمراد بالصورة هنا: الصفة، ومعناه: فيتجلَّى (٥) لهم على الصفة التي يعلمونها وإنما عبَّر في الصفة بالصورة، لمشابهتها إياها ولمجانسة الكلام، فإنه تقدم ذكر الصورة.


(١) ٣/ ١٩ - ٢٠.
(٢) في (ف): " صفات ".
(٣) في (ف): " ليحيرهم ".
(٤) في الأصول: وأما قولهم، والمثبت من " شرح مسلم " ٣/ ٢٠.
(٥) في (ف): " فتجلى ".

<<  <  ج: ص:  >  >>