للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك الملك تعظيماً لله حين رأوا من مخلوقاته العظيمة ما يُوجب الزيادة في التعظيم، ولا نص في الحديث يُبطِلُ هذا.

وثانيهما: أنه يجوز السجود للملك على سبيل التعظيم والتكرمة دون العبادة، وإنما حرَّم هذا علينا بالشرع، وقد سجدت الملائكة لآدم عليه السلام، فأولى أن يسجد بنو آدم لملكٍ من الملائكة الكرام، وقد سجد ليوسف إخوته عليه السلام.

الأمر الثاني مما ورد في الحديث: ذكر الصورة، وأنه جاءهم على صورتين، فقد ذكر أن الذي جاءهم على قول كثيرٍ من أئمة التأويل مَلَكٌ من ملائكة الله تعالى، وذلك جائزٌ في حقه.

فإن قلت: لا يجوز أن يكون للملك صورتان، وإنما المعروف أن له صورة واحدة؟

أجبنا بوجهين:

أحدهما: أنه لا مانع من ذلك، فذلك في قدرة الله تعالى.

ثانيهما: أنه قد جاء حديثٌ صحيح في تفسير تينكَ (١) الصورتين، وأنه جاءهم في الليلة الأولى محتجباً عنهم، وفي المرة (٢) الثانية متجلِّياً لهم. رواه الحافظ العلوي في كتاب " الأربعين "، وقد تقدم ما ذكره القاضي عياض والنووي في تأويل الصورة بالصِّفة، وفيه كفايةٌ، وقد تقدم في المرتبة الثانية ذكر حديث ابن مسعودٍ الذي خرَّجه الطبراني والحاكم في الفتن، وصححه على شرطهما في تمثل الرَّبِّ تعالى وتبارك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأمَّته، ومن أحب التَّقصِّي بجميع الوجوه المُحتمِلَةِ للتأويل، وهذا الحديث بعينه، وفي أمثاله، فليطالع كتاب " الأسماء والصفات " للبيهقي رحمه الله، وقد حكى الله تعالى عن خليله عليه السلام ما حكى حين رأى النَّجم، ثم القمر، ثم الشمس. قيل: إن ذلك في


(١) في (ش): " تلك ".
(٢) " المرة " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>