للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأنَّ النُّجوم بَيْنَ دُجاها ... سُننٌ لاح بينهن ابتداعُ

فإنه شبَّه فيه السنن بالنُّجوم مع أن السنن ليست بأجسامٍ، والنجوم أجسامٌ، فدل على أن تشبيه ما ليس بجسمٍ بما (١) هو جسم حسنٌ في اللغة، فصيح في البلاغة. فلو أن الحديث ورد بتشبيه الله -تعالى عن الشبه- بالقمر على سبيل المجاز (٢) عند أهل التأويل مما لا يتعذَّر تأويله، ثم لو نزل عن هذه المرتبة، فهو رد بتشبيه العلم بالله تعالى بالقمر، لكان عربياً فصيحاً، فكيف وقد نزل إلى مرتبة ثالثة، فورد عند الخصوم بتشبيه العلم بالله تعالى برؤية القمر، لا بالقمر، فهذا شيءٌ لا يستنكره عاقلٌ، فضلاً عن عالمٍ.

وقد شاع التشبيه للاشتراك في بعض الأوصاف، ومِنْ طريفٍ ما رُوِيَ في هذا قولُ بعضهم، وقد وفد على رجُلٍ يُقال له قرواش، فاتهمه بأنه مُنتحلٌ لشعره، نقال: إن صدقت في أنك صاحب هذا الشعر، وناسجُ بُردَتِه، فامدحني واهجُ أصحابي هؤلاء، وكان له مغن يُقال له: البرقعيدي، ووزيرٌ يقال له: سُليمان بن فهدٍ، وحاجبٌ يقال له: أبو (٣) جابر، فقال (٤):


= رُبَّ ليلٍ قطعته بصُدود ... أو فراقٍ ما كان فيه وداعُ
موحشٍ كالثقيل تقذى به الـ ... ـعينُ وتأبى حديثه الأسماعُ
وكأن النجوم بين دُجاها ... سُننٌ لاح بينهن ابتداعُ
مشرقاتٌ كأنهنَّ حِجاجٌ ... تقطع الخصم والظلامُ انقطاعُ
وكأن السماء خيمةُ وشيٍ ... وكأن الجوزاء فيها شِرَاعُ
انظر " معاهد التنصيص " ٢/ ١٠، و" يتيمة الدهر " ٢/ ٣٩٤ - ٣٩٥.
(١) في (ف): " ما ".
(٢) في (ش) و (ف): " أهل المجاز ".
(٣) " أبو" ساقطة من (ف).
(٤) هو الطاهر الجزري كما في " دمية القصر " ص ٥٠، والأبيات في " وفيات الأعيان " ٥/ ٢٦٥، و" فوات الوفيات " ٣/ ١٩٩، و" معجم البلدان " ١/ ٣٨٨ وقرواش: هو ابن المقلد بن المسيب العقيلي معتمد الدولة صاحب المَوْصِل والكوفة والمدائن وسقي الفرات =

<<  <  ج: ص:  >  >>