للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك قوله تعالى: {تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَاتٌ (١) صُفْرٌ} [المرسلات: ٣٢ - ٣٣]، فإنه لحم، يشبه الشرار بالجمالات في كِبَر أجسامها؛ لأنه قد شبَّهها بالقصر، وهو أكبر منها، وليس (٢) يحسُن التشبيه بالشيء، ثم بما هو دونه عند علماء هذا الشأن، وإنما أراد أنها كالقصر في كِبَرٍ، وكالجمالات في التقاطر والتتابع في الرمي شررةً بعد شررةٍ من غير تخلُّلٍ بينهما، نعوذ بالله من عذابه.

ومن أحسن ما اتفق لي في هذا المعنى أنه سألني بعض الإخوان عن قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاح ... } [النور: ٣٥].

قال: كيف شبَّه الله نوره العظيم بنور المصباح مع قلته، ولم يُشبه بما هو أعظمُ منه من نور الشمس ونحوها مع أن نور الله أعظم من نور الشمس؟؛ لأن نور الشمس (٣) لا ينتفع به إلاَّ أهل الأبصار، ونور الله الذي هو الهدى ينتفع به (٤) أهل البصائر من أهل الأبصار وغيرهم؟

فطلبتُ وجه ذلك في " الكشاف "، فلم أجده، ولعله تركه لجلائه، فنظرتُ فيه فوقع لي -والله أعلم- أنه لم يرد التشبيه بنور المصباح في كثرته، إنما أراد التشبيه بذلك المصباح المختص بتلك الصفات في كثرة مواد إنارته، وترادُفِ مُوجباتِ إضاءته، فإنه بنفسه منيرٌ، ومكانه -وهو المشكاة- مما يقوِّي النور؛ لأن المشكاة تجمع النور في مكانٍ ضيِّقٍ فيكثُرُ، والزجاجة البيضاء النَّيِّرة كذلك، والزيت المخصوص الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نارٌ، كل هذه مُقوِّيَّاتٌ


(١) بألف وكسر الجيم: جمع الجمع، تقول: جمل وجمال وجمالات، كما تقول: رجل ورجال ورجالات، وبيت وبيوت وبيوتات، وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي عمرو وعاصم وابن كثير، وقرأ حمزة والكسائي وحفص (جمالة) على التوحيد، جمع جمل، تقول: جمل وجمال وجمالة، ودخلت الهاء توكيداً لتأنيث الجمع، كما تقول: (عمومة)، ونظيرُه: حجر وحجار وحجر وحجارة. " حجة القراءات " ص ٧٤٤.
(٢) في (ف): " ولم ".
(٣) في (ش): " لأنه نور ".
(٤) " به " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>