للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك النور، فكذلك نور الهُدى والعلم مستمد من موادٍ كثيرةٍ لكثرة أدلَّة الحق وتعاضُدها، وترادفها كترادُفِ موادِّ (١) الإنارة في ذلك المصباح، وقد نبَّه الله تعالى على هذا المعنى بقوله: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}.

ثم وقفتُ بعد ذلك على تفسير ابن عباس للآية بأن المراد بها: مثل نور من آمن بالله، رواه الحاكم (٢)، وقال صحيح الإسناد، فازداد الأمر وضوحاً، ولله الحمد، وهو تفسيرٌ صحيحٌ.

وتلخيصه: أن الله شبَّه القدر الموهوب من هدايته للفرد من المؤمنين، ونور الهداية يُنْسَبُ إلى الله، لأنه واهبُه وخالقه، وإلى العبد، لأنه محلُّه والمنتفع به.

ويوضِّحه أنه لا بُد من محذوف مُضْمَرٍ، لأن النور لا يُشَبه بالمشكاة، وأما (٣) أن يكون محل النور وهو قلب المؤمن، وهو أولى بالنظر قبل الأثر، كيف بعد ما عضَّدَهُ الأثر؟ لأنه هو التشبيه -حقيقةً- بالمشكاة، ويُرادف مواد إنارتها، وقد يشبه الشيء بما هو دونه في أكثر الصفات، مثل تشبيه الوجه الحسن بالقمر، وكم بينهما في الحسن من درجاتٍ، ولو يكون الوجه الجميل مثلَ القمر في تدويره وطمس تصويره، ما كان له من الحسن نصيبٌ.


(١) في (ف): " موارد ".
(٢) في " المستدرك " ٢/ ٣٩٧، ووافقه الذهبي على تصحيحه، وذكره السيوطي في " الدر المنثور " ٦/ ١٩٦، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
قلت: ذكر ابن كثير في تفسيره ٦/ ٦١ أن في ضمير قوله تعالى: {مثل نوره} قولين أحدهما: أنه عائد إلى الله عز وجل، أي: مثل هداه في قلب المؤمن. قاله ابن عباس.
والثاني: أن الضمير عائد إلى المؤمن الذى دلَّ عليه سياق الكلام، تقديره: مثل نور المؤمن الذي في قلبه كمشكاة، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}.
(٣) في (ف): " فإما ".

<<  <  ج: ص:  >  >>