للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أصاب مِحَزَّ الإصابة في هذا المعنى أبو تمام، فإنه لمَّا مدح الواثق بقصيدته المعروفة التي قال فيها (١):

في جُودِ حاتم في شجاعة عنترٍ ... في حِلْمِ أحنف في ذكاء إياسِ

اعترضه بعض جُلساء الواثق، وقال: شبَّهت أمير المؤمنين بأجلاف العرب، فقال على البديهة:

لا تُنْكِرُوا ضربي لَهُ من دونه ... مثلاً شروداً في الندى والباس (٢)

فالله قد ضرب الأقلَّ لنُوره ... مثلاً من المِشكاة والمِقباس

ومن أحسن ما يذكر في هذا النوع: تشبيه القمر عند تناهي نُقصانه بالعُرجون في قوله تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: ٣٩]، وكم بينهما في الفروق (٣)، وأين (٤) جوهر القمر العُلويِّ من عُود سَعَفٍ من (٥) النَّخل مطروحٍ قد انحنى ويبَس واسودَّ من تقادُم الزمان، فحَسُنَ التشبيه به لما اشتركا في هيئة الانحناء والتَّقوُّس لا سوى.

وقد يتوسَّعُ أهل الصَّنعة البديعة في هذا، ويُجاوزون هذا الحد إلى أمدٍ بعيدٍ.


(١) " الديوان " ص ١٦٣، والرواية فيه:
إقدام عمروٍ في سماحة حاتمٍ ............
(٢) رواية البيت في الأصل:
لا تنكروا لي أن ضربت بدونه ... مثلاً غريباً في الندى والباس
والمثبث من الديوان.
(٣) في (ش): " الفرق ".
(٤) في (ف): " فأين ".
(٥) " من " ساقطة من (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>