للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وذكر خلافاً في موته عليه السلام في التِّيه أو بعده، وصحح أنه كان في التِّيه، وعزاه إلى (١) جمهور المسلمين وإلى أهل الكتاب.

فإن قلت: أليس في الحديث أن ملك الموت لما رجع إلى الله، قال: يا رب أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، وهذا يدل على أنه قد أخبره أنه ملكُ الموت، وأنه قد جاء لقبضه، وأن موسى عليه السلام قد عرفه.

والجواب: أن هذا لا يدل على معرفة موسى لملك الموت، ويدل على ذلك أنه قد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى " لا يقبض نبياً حتَّى يخيره "، وفي حديث: " حتى يريه مقعده من الجنة ويخيره " (٢)، فلما جاء ملك الموت لقبض روحه عليه السلام من غير تخييرٍ، وعنده لا يُقبض حتى يُخَيَّرَ، لم يعلم أنه ملك الموت، وشك في ذلك، وظن أن هذا رجلٌ يدعي عليه أنه ملك الموت بغير دليلٍ، فقد ذكر العلماء: أن الأنبياء لا يجوز لهم تصديق الملك في دعواه أنه مَلَكٌ إلاَّ بدليل من مُعجزٍ يظهره، أو علمٍ ضروري يضطره إلى ذلك.

والذي يدلُّ على هذا أنه جاء في الحديث بعينه أنه ملك الموت لما رجع إليه عليه السلام، وخيَّره بين الحياة والموت، اختار الموت واستسلم، وهذا وجهٌ حَسَنٌ في الجواب لا سبيل إلى القطع ببطلانه. ومع احتماله يرتفع الإشكال في القطع بتكذيب الرواة والمجازفة بجرح الثقات.

الوجة الثاني: أن نقول: سلَّمنا أنه جاءه على صفةٍ يعرف معها أنه ملكُ الموت، ولكن المانع أن يكون موسى فعل ذلك وقد تغيَّر عقله، فإن تلك الحال مَظِنَّةٌ لتغيُّر العقول، فقد خرَّ موسى صعقاً من اندكاك الطور، فكيف بهولِ


(١) " إلى " ساقطة من (ش).
(٢) أخرجه من حديث عائشة أحمد ٦/ ٨٩، والبخاري (٤٤٣٥) و (٤٤٣٧) و (٤٤٦٣) و (٤٥٨٦) و (٦٣٤٨)، ومسلم (٢٤٤٤)، والترمذي (٣٤٩٠)، ومالك ١/ ٢٣٨ - ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>