أحدهما إما خاص، وإما ناسخ، ولا سبيل إلى تكذيب الراوي، ولا وجهَ لتعذُّر التأويل، وإنما اختلف العلماء في الظاهر من أجل العمل فقط، لا من أجل تعذُّرِ التأويل ولا التناقض في نفس الأمر، فقال الجمهور: إن الظاهر أيضاً لا يتعارض بل يبني العام على الخاص.
قال الشيخ أبو الحسين: وهو الذي عليه علماء الأمصار، ولهذا عملوا بذلك في قوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ}[الطلاق: ٤]، مع قوله تعالى في المطلقات على العموم: إن عدَّتَهُنَّ ثلاثة قُرُوء، وأمثالُ ذلك كثير، فأين التناقض من هذا المُوجب للقطع بتكذيب الراوي وجرحه؟ هذا لم يقل به أحدٌ من الأولين ولا من الآخرين، وما كان السيد يعرف القرآن العظيم.
أين هو من قوله تعالى في {يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ}[البقرة: ٢٥٤]، مع قوله تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف: ٦٧]، مع أنه قد كان نفى الخُلَّةَ في يوم القيامة، فكان يلزم السيد أن هذا متناقضٌ متكاذب، وكذلك قد كان نفى الشفاعة في تلك الآية، ثم أثبتها في آياتٍ كثيرةٍ من القرآن، مثل قوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: ٢٨]، أي: الشفاعة له كما يأتي بيانه، وذلك مثل قوله تعالى:{إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[النجم: ٢٦]، وقوله في المجرمين المَسُوقين إلى النار:{إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}[مريم: ٨٧].
وقد أجمعت الأمة والعترة على ثبوت الشفاعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن اختلفوا لمن هي، فلم يكن ذلك متناقضاً مُتكاذِباً. والقرآن مشحونٌ من العموم والخصوص، حتى قال بعض العلماء: جميع ما في القرآن من العموم مخصوصٌ إلاَّ قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة: ٢٩]، فلو كان التخصيص تكذيباً للعموم ونقضاً له، لكان القرآن أو أكثرُه منقُوضاً مُتكاذِباً، تعالى الله عن ذلك عُلُوَّاً كبيراً.
وإذ قد بلغ السيدُ إلى هذه الغاية في إنكار الجليَّات، فلنذكرِ الدَّليل على