للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واذا نظرتَ، لم نَجِدْ لقوم عادٍ حكماً يستحقُّ (١) الذكر إلى ما ذكرته لولا التَّوسُّع العظيم في المجاز، وإطلاق أهل اللسان العموم العظيم على أقلِّ أجزائه، فإن لفظ الشيء أعمُّ ما يكون، حتى إنه يدخل فيه المعدوم عند البهاشمة من المعتزلة، وقد أطلَقهُ على قوم عادٍ، وأدخل عليه لفظ " كل " المؤكِّد للعموم والشُّمول والاستغراق، وهو حجةٌ وتخصيص العموم المؤكد، كقوله تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِين} [الحجر: ٥٩ - ٦٠]، وهو في سورة القمر غير مخصوص قال فيها: {إلاَّ آل لوطٍ نجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: ٣٤]، ولم يخص امرأته في هذه الآية، ولا في هذه السورة، وهي مكيةٌ، واستثنى في " الحجر "، و" النحل "، وهما مكيتان أيضاً، ولما تقدم الآن في قَسَمِ هلال بن أمية: ليُنزلن الله ما يبرِّىءُ ظهري (٢) من الحد مع تأكيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعموم إيجاب الحدِّ عليه، وقوله له (٣) غير مرَّة: " البينة أو حدٌّ في ظهرك "، فما منع ذلك التخصيص ولا تجويزه ولا ظنه قبل وقوعه (٤).

وقد نزل قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس} [آل عمران: ١٧٣] في نُعيم بن مسعودٍ الأشجعي، جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خرج بعد أُحدٍ إلى حمراء الأسد، فقال: إن الناس قد جَمَعُوا لكم. أراد أبا سفيان وأصحابه (٥). فأطلق الله الناس على العموم، والمراد به واحدٌ.

وكذا قوله تعالى: {وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شيءٍ} [النمل: ٢٣]، فإذا نظرت في جميع ما ذكرتُه آنفاً مما يدخل تحت كل شيءٍ، ونظرت كم أُوتيت بِلقيس من ذلك لم تُجد له بالنسبة بالنظر إلى ما لم يؤت منه سائر السماوات والملائكة والجنة، وما لا يُحصى كثرةً، وهذا المعنى باقٍ في اللُّغة إلى يومنا هذا بقولِ


(١) في (ش): " حتى يستحق ".
(٢) في (ف): " ظهره ".
(٣) " له " ساقطة من (ف) و (د).
(٤) في (ف): " قوله ".
(٥) انظر " زاد المسير " ١/ ٥٠٤ - ٥٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>