للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسائي (١) من حديث أنس، وفيه أنَّ هلالاً قطع بتخصيصِ العموم لمجرَّد حُسْنِ الظن بالله، ولم ينُكِر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سائر الأحاديث في سبب نزول آية الِّلعان أنهم جَوَّزُوا تخصيص عُموم الحدِّ، وسألوا عن التخصيص قبل نزوله كما في حديث ابن مسعودٍ عند مسلمٍ، وأبي داود (٢) وحديث لابن عباس آخر عند البخاري ومسلم والنسائي (٣)، وهم أهل اللغة، ما أنكر ذلك منكرٌ، وأقرَّهم عليه - صلى الله عليه وسلم -، فكيف ينكر التخصيص بعد وقوعه من الله ورسوله، وقد منع بعضهم ذلك في الأخبار دُون الأمر والنهي، ويأتي الجواب عليه قريباً.

ونزيد هنا بيان وقوع ما منعه في القرآن العزيز، ولا شك أن الوقوع فرعُ الصحة، ومثال ذلك في القرآن قوله تعالى في الريح التي أصابت قوم عادٍ في " الذاريات ": {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم} [الذاريات: ٤١ - ٤٢]، وقال في " الحاقة ": {فهل ترى لهم من باقيةٍ} [الحاقة: ٨]، بل قال في " الأحقاف ": {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥]، وكلُّهنَّ مَكِّيَّاتٌ، مع أنها ما دمَّرت إلاَّ قوم عادٍ، ولم تدمِّر السماوات والأرضين والجنة والنار والعرش والكرسي والملائكة والجن والإنس والطير والبحَارَ، وما فيها (٤) من المخلوقات وما لا نعلمه من خلق الله تعالى، بل قد دلَّ كتاب الله على أنها ما دمَّرت مساكن قوم عادٍ، لقوله في " الأحقاف ": {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: ٢٥]، وهي من أحسن الأدلة على جواز تخصيص العموم، حتى الأدلة المنفصلة عنه، لأنها منفصلة عن العُموم الذي في ذلك في سورة الذاريات، كما تقدم.


(١) ٦/ ١٧١ - ١٧٣، وأخرجه أيضاً مسلم (١٤٩٦).
(٢) " مسلم " (١٤٩٥)، و" أبو داود " (٢٢٥٣).
(٣) البخاري (٥٣١٠) و (٥٣١٦) و (٦٨٥٥) و (٥٨٥٦) و (٧٢٣٨)، ومسلم (١٤٩٧)، والنسائي ٦/ ١٧٤.
(٤) في (ش): " فيهما ".

<<  <  ج: ص:  >  >>