إلا أن يُجْمَعَ بينهما بنوعٍ من التأويل، وتأويل الوعيد أولى لوجوه:
الوجه الأول: أنها من المتشابه، والوعد بالخير من المحكم، والواجب تأويل المتشابه، وهذا جَلِيٌّ (١) إلاَّ كونها من المتشابه، والدليل عليه أن العفو أحب إلى الله في جميع شرائعه، والنصوص فيه أكثر من أن تُحصى، والخير هو المحكَمُ المقصود لذاته عقلاً وشرعاً، ولذلك قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥ - ٦]، وقال:{سيجعل الله بعد عسرٍ يُسْراً}[الطلاق: ٧]، ولم يرد ذلك وقال:{يريد الله بكم اليسر}[البقرة: ١٥]، وقال:{والله يريد أن يتوب عليكم}[النساء: ٢٧]، وإرادته نافذةٌ على ما تقرَّر في موضعه من هذا الكتاب.
الثاني: أن الأحاديث صحَّت في أن الخير والعفو مكتوم منه خوف أن يَتَّكِلَ الناسُ كما يأتي في حَدِيثَيْ علي ومعاذ.
الثالث: أن الخُلف في الوعد أقبح منه في الوعيد، ومن قَصَدَ المحافظة على صدق الوعيد تنزيهاً لله تعالى من الخُلْفِ فيه، فقد غَفِلَ غفلةً عظيمةً، وسيأتي تنزيهُ الله من الجميع.
الرابع: أنه أكثر ثناءً على الله، وأنسبُ بأكثر أسمائه الحسنى.
الخامس: أنه أقوى دلالةً، لأنه مبنيٌّ على قبول النصوص الخاصة وتقديمها على العمومات، وسيأتي تحقيق ذلك وما فيه من القوة المعلومة.
السادس: أنه قول السلف في الأسانيد الصحاح.
السابع: أنه قول جماهير علماء الإسلام وقد مر أنه لا مفسدة فيه.
الثامن: أن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يُبَشِّرَ المؤمنين والمتقين، وكرَّر ذلك، وهذا مُبَيِّنٌ لِما أجمله من تسميته بشيراً ونذيراً، أي: بشيراً