للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمؤمنين ونذيراً للكافرين، من ذلك قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (٤٧) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ} الآية [الأحزاب: ٤٧ - ٤٨] فجعل المؤمنين قسماً واحداً مُستَخَصِّين للبشارة، وجعل قسمهم المقابل لهم الكافرين والمنافقين، وكذلك قال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: ٩٧]، وستأتي الأدلة على تفسير المؤمنين والمتقين.

وكذلك وردت السنن الصحاح، كقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذٍ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن: " يسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبشِّرا ولا تُنَفِّرا " رواه خ م د ت من حديث أبي موسى (١).

وروى خ م عن أنس عنه - صلى الله عليه وسلم - مثله بلفظ الجمع: " يَسِّرُوا ولا تعسِّرُوا، وبَشِّروا ولا تُنفِّروا " (٢).

وفعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أمر به، بل مثل ما أمره الله تعالى به، كما تواتر في السنن الصحاح المأثورة، ومعلومٌ أن (٣) الله تعالى لا يأمُرُ رسوله بما فيه مفسدةٌ، ولا يأمر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يفعله، كما أنه أخبر بمعنى الإنذار ولم يكن فيه مفسدة، ولما قالوا: أفلا نَتَّكِلُ (٤) على كتابنا قال: " كُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له " (٥).

وأما قوله في حديث معاذ: " دعهم يعملوا " (٦) فإنه على الجواز لا على التحريم ولا الكراهة، بدليل أنه أعلمهم به في أكثر الأحاديث، ولأنه أخبر معاذاً بذلك، وهو منهم، ولأن معاذاً أخبر بذلك عند موته خوف الإثم في كتمه، وهو راوي الحديث والعارف بما صَحِبَه مِن القرائن، ولأن الإجماعَ استقر بعدُ على


(١) تقدم تخريجه في ١/ ٢٥٩.
(٢) تقدم تخريجه في ١/ ١٧٣.
(٣) في (ش): " بأن ".
(٤) في (ف): " أفنتكل ".
(٥) تقدم تخريجه في الجزء الخامس وغيره.
(٦) أخرجه البخاري (١٢٨) و (١٢٩)، ومسلم (٣٢) من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>