للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواية ذلك، والقرآن نص على الأمر به، لا على الأمر بنقيضه، وقد بشَّر يوسفُ إخوته بالمغفرة، وبشرهم أبوهم عليه السلام، وهذا كله مع بقاء الخوف بجهل الخواتم إجماعاً، ولشرط المشيئة في القرآن عند أهل السنة مع ذلك يُبْطِلُ ما يُظَنُّ من المفسدة، وتكون الفائدة منع القنوط لا سوى، تتبين بذكر كل واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة على انفراده.

فأمَّا الأمر الأول: وهو المعارضة بعمومات الوعيد، فلا يَصِحُّ، لأن المعارضة تقتضي الوقف، والوقف يقتضي الرجاء، ولأنَّ الخاصَّ موجودٌ مشهور، والخاص مقدَّمٌ على العام، وأدلة الرجاء أخص وأبين كما يظهر لك الآن إن شاء الله تعالى.

والوعيدية على هذا في غير هذه المسألة، بل هم عليه فيها عند حاجتهم إليه، بل لا بد لهم من ذلك في هذه المسألة بعينها، فإنهم إنما قطعوا بغفران الصغائر وإخراجها من عموم: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم} [الجن: ٢٣] لأن آية الصغائر أخصُّ مع معارضة قوله تعالى: {ومن يعمل مثقال ذرَّةٍ شرّاً يَرَهْ} [الزلزلة: ٨]، لقوله (١): {إنْ تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} [النساء: ٣١] من بعض الوجوه، ولذلك احتاجوا إلى تأويلها، بل تراهم يُخَصِّصُون القرآن بالحديث الآحادي متى كان عموم القرآن في الوعد بالثواب، كما يَخُصُّون قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: ١١٤] في نحو عشر آيات في هذا المعنى، كقوله تعالى في الصادقين والمصدقين في سورة " الزمر ": {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُون} [الزمر: ٣٥]، وقوله تعالى في " الأحقاف ": {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُون} [الأحقاف: ١٦]، وقوله تعالى في المؤمنين في [العنكبوت: ٧]: {لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ


(١) في (ش): " أي لقوله ".

<<  <  ج: ص:  >  >>