للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهن فاعتبِرْ هذا وزِنْ أقوالهم، فإنه لا فرق بين تأويلهم لقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦٩] وبين تأويل الجميع لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: ٢٣]، وذلك لأن الطاعة والمعصية تَصْدُقُ على المرة الواحدة، فمن أطاع مرة واحدة، وعصى مرة؛ فقد تناوله الوعد والوعيد ووَجَبَ الوقف في حاله، حتى يتبين مراد الله فيه من غير هاتين الآيتين. وكذلك قوله تعالى في الحِرْزِ: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُون} مخصوصٌ بالإجماع على أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - شفيعٌ مُشفَّعٌ، وأن ذلك تفسير المقام المحمود الذي وعده في كتابه، وإن اختلفوا لمن تكون شفاعته، وكذلك نفيُ الشفيع مخصوصٌ مع الإجماع، كقوله (١) تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (٨٦) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: ٨٦ - ٨٧]، وبما تواتر في السنة النبوية، فما الفرق بين تخصيص وتخصيص؟ وكيف يكون التخصيص تكذيباً مع مثل هذا؟ وعند أهل السنة أن ذلك التعارض المتوهَّم قد تَبَيَّنَ بقوله تعالى: {إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السيئاتِ} [هود: ١١٤]، وقوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِم} [التوبة: ١٠٢]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: ١١٦]، مع ما عَضَدَ هذه الآيات وأمثالها من البيان النبوي المعتاد مثله في كل عمومات القرآن، وأنواع الشرائع والتكاليف، وعندَ الوعيدية أن ذلك قد تبين بقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١]، وسيأتي الكلام عليها، وإيضاح أنها في بيان حكم المجتنبين للكبائر، وآيات أهلِ السنة وأحاديثهم في بيان حكم المرتكبين للكبائر، وتقسيمهم إلى مشركٍ وغيره، فهو أبين كما يَتَّضِحُ إن شاء الله تعالى.

وأمَّا الأمر الثاني: وهو المعارضة بالوعيد الخاصِّ ببعض الكبائرِ بخصوصه، فلا نُسَلِّمُ صحة شيء من ذلك بخصوصه وَرَدَ في المؤمنين


(١) في (ف): " بقوله ".

<<  <  ج: ص:  >  >>