للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخصوصهم على سبيل النصوصية القطعية بحيث يَتَعَذَّرُ تخصيص المؤمنين من عمومه أصلاً، وأشهر ما تمسكوا به أمور:

الأول -وهو أعظم ما يشتبه من ذلك- قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣] وهي آيةٌ عظيمة اشتملت على وعيدٍ هائلٍ لمن اجترأ على هذه المعصيةِ الكبيرة التي صح تسميتها كفراً في أحاديث كثيرة، ونص كتاب الله تعالى على أن فاعلها بغير حقٍّ كمن قَتَلَ الناس جميعاً.

ونص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنها أعظم عند الله من زوال الدنيا (١) وحَمَلَتْ (٢) حَبْرَ الأمة وبحرَها عبد الله بن العباس رضي الله عنهما على القول بأن التوبة لا تُقْبَلُ منه (٣) حِرصاً على بقاء وعيدها وعدم الترخيص لأحدٍ بتخصيصه، ولكنها مع ذلك كُلِّه لا يمنع من النظر في سائر كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولأمرٍ ما حفَّها الله تعالى بآيتين كريمتين، تقدَّمتها إحداهما وتعقبتها الأُخرى في سورةٍ واحدةٍ، وهما قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: ١١٦]، حتى روى أبو داود في " سُننه " عن أبي مجلز لاحقِ بنِ حميد التابعي الجليل أحد أصحاب ابن عباس أنه قال: هي جزاؤُه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فَعَلَ (٤). بل رَوَى العلاء بن المسيَّب، عن عاصم بن أبي


(١) تقدم تخريجه في الجزء الثامن.
(٢) في (ف): " وحمله ".
(٣) أخرج أحمد ١/ ٢٤٠ و٢٩٤، والترمذي (٣٠٢٩)، والنسائي ٧/ ٨٥ و٨٧، وابن ماجه (٢٦٢١)، والطبري (١٠١٨٨) و (١٠١٨٩) و (١٠١٩٠) و (١٠١٩١) من حديث ابن عباس أنه سُئل عمن قَتَلَ مؤمناً متعمداً، ثم تاب وآمن وعَمِلَ صالحاً، ثم اهتدى، فقال ابن عباس: وأنَّى له التوبةُ، سمعتُ نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يجيء متعلقاً بالقاتل تشخُبُ أوداجُه دماً، فيقول: أي رب، سَلْ هذا فيمَ قتلني؟ " ثم قال: واللهِ لقد أنزلها الله، ثم ما نسخها. وهذا حديث صحيح.
(٤) أخرجه أبو داود (٤٢٧٦)، والطبري (١٠١٨٤) من طريقين عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز قوله. وهذا إسناد صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>