للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالفةُ الاثنين للثلاثة في الحكم، فلمَّا قالوا: واثنان يا رسول الله، قال: " واثنان "، قال بعضهم: لو استزَدْناه لزادنا. ورواه أحمد في " مسنده " (١) في الواحد من حديث أبي عبيدة عن ابن مسعود، وهو الحديث الثاني من " مسنده " في " جامع المسانيد " لابن الجوزي، بل قد صح في البخاري (٢) ما يقتضي ذلك في الواحد، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله من قَبَضْتُ صَفِيَّهُ من أهلِ الدنيا لم يكُن له جزاءٌ عندي إلاَّ الجنةُ ".

وقد صرَّحتِ الأحاديث بأن الكتم في هذا المعنى مقصودٌ كما في حديث مُعاذٍ المشهور (٣) وفي غيره، وهو يُقوي هذا التأويل، ويُضعفُ العمل بالمفهوم في نحو ذلك، بل يوجب بطلانه، وليت شعري ما يقول متأوِّل النصوص بذلك وما يظن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع بلاغته وفصاحته، أنه لم يفهم العبارة، ولم يفهم أن للصغائر اسماً يخُصُّها، وللعموم لفظاً يدلُّ عليه، فما استطاع أن يوضِّحَ أن


(١) ١/ ٣٧٥ و٤٢٩، وأخرجه الترمذي (١٠٦١)، وابن ماجه (١٦٠٦). وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. قلت: وليس فيه " لو استزدناه لزادنا ". وإنما لفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من قدَّمَ ثلاثةً لم يبلغوا الحِنْثَ كانوا له حِصْناً حَصيناً من النار "، فقال أبو الدرداء: قدَّمتُ اثنين؟ قال: " واثنين "، فقال أُبي بن كعب أبو المنذر سيِّدُ القراء: قدمتُ واحداً؟ قال: " واحد، ولكن ذاك في أول صدمة ".
وأخرج أحمد ٣/ ٣٠٦ عن محمد بن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم، عن محمود بن لبيد، عن جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من مات له ثلاثة من الولد، فاحتسبهم دخل الجنة "، قال: قلنا: يا رسول الله، واثنان؟ قال: " واثنان " قال محمود: فقلت لجابر: جراكم لو قلتم: وواحد لقال: وواحد، قال: أنا والله أظن ذاك.
ذكره الهيثمي ٣/ ٧. وقال: رجاله ثقات.
(٢) رقم (٦٤٢٤).
(٣) يريد ما أخرج البخاري (٢٨٥٦)، ومسلم (٣٠) عن عمرو بن ميمون، عن معاذ. وفيه: " فإنَّ حَقَّ الله على العباد أن يعبُدوا الله، ولا يُشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله عز وجَلَّ أن لا يُعَذِّبَ من لا يُشركُ به شيئاً " قال: قلت: يا رسول الله، أفلا أُبَشِّرُ الناسَ؟ قال: " لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلُوا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>