للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضلِ الاستغفار، ولم يأتِ ذكرُه في التوبة (١)، إنما جاء من الإسرف، وفُهِمَ من مجموعها من الإجماع أنه لا ينفع الاستغفار وعدم الاعتراف بالذنب. وهذا إجماع، والنصوص دلَّت على نفعِه بعد التوحيد والاعتراف، وأنه غير التوبة، أما نفعه بعده فمنصوص مُجمعٌ على النص عليه، وأما أنه غيرُ التوبة فلوجوهٍ:

الأول: أن التوبة غير مرتبةٍ على الإسلام، بل التوبة من الشرك لقبحه صحيحةٌ قبل مجيء الرسول وبعده، لجمعها شرائط التوبة كما صحت من زيد بن عمرو بن نُفيل (٢). وليست كالعبادة لا تصح قبل ذلك، فلو كان تقدُّمُ الإسلام شرطاً فيها، لأدى (٣) إلى الدور بخلاف الاستغفار، فالنصوصُ والإجماع دلاَّ على اشتراط تقدم الإسلام في نفعه.

الثاني: قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩]، ولا تصح التوبة لهم.

وكذلك مفهوم: {إن تستغفر لهم سبعين مرة} [التوبة: ٧٠] أن ذلك ينفع غيرهم من المسلمين، كصلاة الميت، وإن للتكرار أثراً ولا معنى له في التوبة أصلاً، وكذلك قوله تعالى في الملائكة: {ويستغفرون لمن في الأرض} [الشورى: ٥]، وفي آيةٍ: {للذين آمنوا} [غافر: ٧].

وكذلك مدح المؤمنين بقولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: ١٠].

وكذلك استغفار إبراهيم لأبيه، وأمثال ذلك لا يحصى مما لا يَصِحُّ حملُه


(١) من قوله: " ولذلك " إلى هنا ساقط من (د) و (ف).
(٢) أخرج البخاري (٣٨٢٦) و (٣٨٢٧) قصته من حديث ابن عمر، وأخرج الطيالسي (٢٣٤) من حديث سعد بن زيد بإسناد ضعيف، وفيه: وجاء ابنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أبي كان كما رأيت، وكما بلغك، فاستغفر له، قال: " نعم، فإنه يكون يوم القيامة أمة واحدة ". وانظر " الإصابة " ١/ ٥٥٢ - ٥٥٣، و" الفتح " ٧/ ١٤٣ - ١٤٤.
(٣) في (ش): " أدى ".

<<  <  ج: ص:  >  >>