الثالث: قوله تعالى: {أفلا يَتُوبون إلى الله ويَستغفرونَه}[المائدة: ٧٤]، وقوله تعالى:{واستَغْفِروا ربَّكُم ثم توبوا إليه} في غير آية [هود: ٩٠]، ففرق بالنص بينهما.
وقد ذكر الحاكم المعتزلي في تفسيره لذلك:
أن الاستغفار باللسان، والتوبة بالقلب. ذكره عنه الخصم في تفسير سورة هود، ولم يعترضه، ولا تنبه على تحريم اعتقاده، وذكر قبله أشياء ركيكة لا حجة لصحتها.
أولها: تفسير الاستغفار بالإيمان بالله تعالى حتى تصح التوبة من عبادة الأوثان، وهذا كله عجيب منه من وجهين: أحدهما أن تفسير الاستغفار بالإيمان بالله غريبٌ يحتاج إلى نقلٍ صحيحٍ عن لغة العرب، وقد كان يشدِّدُ في تفسير القرآن بما نقله أئمة اللغة عن اللغة العربية، فكيف بالتفسير بما لم ينقله أحدٌ منهم عنها.
وثانيهما: اشتراطه الإيمان بالله في صحة التوبة من الشرك المعلوم بطلانه وقبحُه عقلاً، وقد يكون قبحه ضرورياً في العقل، مثل قبح عبادة الحجارة، فإنه أجلى من وجوب الإيمان بالله لتوقف الإيمان على النظر، ومن تَجَلَّى له قبح الشرك قبل أن ينظر في معرفة الله تعالى، كيف لا تصح منه التوبة على الفور، بل كيف يَحِلُّ له التراخي في التوبة عنه حتى ينظُر، وكيف لا يتضيَّقُ عليه وجوبها عن أقبح القبائح، وهل لوجوب التوبة وصحتها شرطٌ غير العلم بقُبحِ القبيح. وهذا نقله عن الزمخشري (١) وما أعلم أحداً سبَقَه إلى ذلك. والله أعلم.
وقد خالفه الحاكم في " التهذيب " مع اشتراكهما في المذهب، فقال:{واستغفروا ربكم}، أي: اطلُبُوا المغفرة منه، ذكره عنه المقرىء الأعقم في