للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك كلِّه وأَدَلِّه على الخير صحة العبادات منهم، فإنها تستلزم القبول ووجوب الثواب، وذلك أمارةُ صحة ما ذكره أهل السنة من جواز التكفير عنهم بعباداتهم ومصائبهم، وقد ذكر الرازي أن المعتزلة أخَلُّوا بالتحسين العقلي، حيثُ أوجبوا لمن خَلَطَ الطاعة والمعصية النار دون الجنة، وكان العدل العقلي يقتضي أن يُدْخَلَ النارَ مدةً، والجنة مدةً، بل لو خُلِّينا وقضية القياس العقلي الذي هو مفزَعُ الخصوم، لأوجبنا له الجنة كما قالت المرجئة، فإن الإسلام يزيد ولا ينقص، وقد أجمعنا على أن من كَفَرَ طول عمره، ثم أسلم عند موته أنه مغفورٌ له، فلا يكون بكفره طول عمره، وتأخُّر إسلامه أسعد من السابق إلى الإسلام المستقيم عليه الذي لابس بعض كبائر الشرك، بحيث ما ضرَّهُ إلاَّ تقدم إسلامه وسبقه إليه، واستقامته عليه، فإن التقدير أن المشرك المغفور له بالإسلام المتأخر قد لابس الكبيرة التي عُذِّبَ المسلم عليها لم يكن بينهما (١) فرقٌ إلاَّ أن المسلم فعلها وهو معها موحِّدٌ خائفٌ راجٍ، والمشرك على الضِّدِّ من ذلك حال فعلها، وقبله، وبعده. والإسلام الذي كفَّرها للمشرك، وكفَّر سائر كبائره حاصل مع المسلم الذي فعلها وحدها قبلها وبعدها وحالها مع حسنات (٢) مكفِّراتٍ وبلاوي، فهو زائدٌ في الفضل على ذلك المشرك عقلاً، ولكن الله خَوَّفَ المسلمين كما خوّفَ الصالحين، ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولِمَا عُلِمَ في التخويف من الصلاح لهم، فقلوبهم وجلةٌ، ودموعهم جاريةٌ، ولذلك تجد أكثرهم صلاحاً أكثرهم خوفاً، فالحمد لله رب العالمين. فقد فَضَّلَ الله السابقين في كتابه والمنفقين من قبل الفتح، فكيف تَجْعَلُ الإسلام الدائم كالأوصاف المُلغاة في القياس، وتنكر النصوص القرآنية الموافقة لهذا، وتَرْكَبُ في تأويلها الصعب والذَّلُول، وعادتكم تأويل النصوص إذا خالفت القياس، فهذا هو الكلام على ما سنَحَ من رد تأويله.

وأما الكلام على عدم المطابقة في تمثيله، فهو أوضح من أن يختص به الفطناء، وأجلى من أن يحتاج إلى كشفه الأذكياءُ، وذلك أنه جعل الآية نظير قولك: إن الأمير لا يبذُلُ الدينار، ويبذل القِنطار لمن يشاء، فبدأ في تمثيله بنفي


(١) في (ش): " بينها ".
(٢) تحرفت في (ش) إلى: " حساب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>