للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موهبه الحقير، وأخَّر ما نفاه من إثبات موهبه الخطير، وذلك نقيض ما ورد في الآية الكريمة، وعكسه فأول ما يُنْقَمُ عليه الأبله الذي لا يفهم غائلته (١) في هذا التحريف اللطيف أنه عاكس صورة الآية الظاهرة وخالفها، بل ضادَّها، ثم ادعى المماثلة، وحقُّ التمثيل أن يكون مطابقاً جليَّاً، لا معاكساً خفياً، ثم إن غرضه بهذة المعاكسة في التمثيل الاحتراز عما نقم عليه في التأويل.

بيان ذلك أنه نقم عليه في تأويله أنه أضمر في الجملة الأولى تقييدها بالمشيئة من غير دليلٍ، وإن ذلك لا يصح حتى إنه (٢) ارتكب لأجل الفرار منه أن معنى قوله تعالى: {أمرنا مترفيها فَفَسَقُوا فيها} [الإسراء: ١٦]، أمرناهم بالفسق مجازاً، كما تقدم، وهو صريحٌ في " الكشاف " (٣) في موضعه، فلم فهم هذا التأويل، احترز منه في التمثيل، فجعل تقديم الأدنى الحقير مع تعقيبه بالأعلى الخطير قرينةً عقليةً يحسن معها إضمارُ التقييد للجملة الأولى في تمثيله، وذلك أن من يَهَبُ القنطار لمن يشاء، أولى وأحرى أن يَهَبَ الدينار لمن يشاء، مثلما أن الآية لو وردت بأن الله يغفر الشرك لمن يشاء، ولا يغفر (٤) ما دون ذلك، حَسُنَ أن يضمر إلاَّ أن يشاء، فيما دون ذلك بالقرينة العقلية، ولكن تكون العبارة في المضمر، إلاَّ أن يشاء، ولا يصلح أن يكون لمن يشاء، لما قدمنا ذكره من النظر في دُخُول حرف النفي في مثل هذا، وقد أخذ هذه الحيلة في تمثيله من قوله فيمن يُؤتمن ومن لا يؤتمن: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: ٧٥]، وليس مثل الآية إلاَّ أنه (٥) يمكن الاعتراضُ عليه، ويمنع تقدير المشيئة في تمثيله، لاحتمال أن يكون الأميرُ لا يعطي الدينار أنَفَةً وترفُّعاً من عطاء الحقير، والقرينة الدالة على هذا ما وصف به بعده من إعطائه القنطار.


(١) في (ف): " جائلته ".
(٢) " إنه " ساقطة من (ش).
(٣) ٢/ ٤٤٢.
(٤) في (ف): " يحسن ".
(٥) في (د) و (ف): " لأنه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>