للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا تواترٌ في النقل، ويشهد لذلك إنظار الله عزَّ وجلَّ للشيطان إلى الآخرة.

ومنها أحاديث تكفير المصائب، والآلام لذنوب المسلم في الدنيا حتى يلقى الله وما عليه خطيئةٌ، وعكس ذلك الكافر، وهي كثيرةٌ. قال ابن عبد البر في " التمهيد ": إنه مُجمَعٌ عليها، منها تكفير ذنوبهم بالحدود، ومنها العفو عمن عفا عنه في الدنيا، ومنها: حديث " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " (١)، وجاء ذلك في تفسير: {من يعمل سوءاً يُجْزَ به} [النساء: ١٢٣]، {ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: ٨]، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠]، وقد تقدم من هذا طرفٌ صالحٌ.

الثالث: أنه مصادمٌ لما فهمه الصحابة من هاتين الآيتين الكريمتين، منهم علي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، ورواه ابن عمر، عن الصحابة كما تقدم في الرد على الزمخشري. وقد أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تفسير القرآن بآثار الصحابة، واحتجوا بها، لأنهم أصحُّ فهماً، وقول الشاعر الآحادي حجةٌ في العربية، كيف قول الصَّحابي المسند الصحيح.

الرابع: أنه لا يتم له تأويله إلاَّ بعد أن يقيد إطلاق القرآن الكريم، وهذه زيادةٌ في كلام الله، ولو ساغ هذا له، لم يَعْجِزْ خصمه عن مثله في آيات الوعيد، بل لم يعجز الملاحدة عن مثله في مذاهبهم، وبمثل هذا يكتفي طالب الحق في الرد على من تمنَّى على الله الأمانيَّ في تحريف التأويلات والمعاني، مثل أن يقول في مثل هذه الآية: إن أولها في عذاب الآخرة، وآخرها في عذاب الدنيا كما يأتي بطلانه، فافهم هذه الطريقة في الرد على المبتدعة والملاحدة تكفك المُؤْنَة في كثيرٍ من المواضع.


(١) أخرجه من حديث أبي هريرة أحمد ٢/ ٣٢٣ و٤٨٥، ومسلم (٢٩٥٦)، والترمذي (٢٣٢٤)، وابن حبان (٦٨٧) و (٦٨٨). وانظر تمام تخريجه فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>