للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى البخاري: " نحن أحقُّ بالشك من إبراهيم " (١). والتحقيق أنَّ الإحسانَ أعلى وأدنى، كالإيمان أعلى وأدنى، والإسلام والصِّدق، وخرج البخاريُّ في قوله: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين} [الأعراف: ٥٦]. حديث: " إنما يرحم الله من عباده الرُّحماء " (٢).

ويمكن أن يُستخرج نحو هذا من قوله تعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر}، إلى قوله: {سَيُدخِلُهُم الله في رحمته} [التوبة: ٩٩]، ثم ذكر السابقين بالرضا عنهم ومنهم، فدل على أن أهل الرحمة -وهم من المحسنين- دون السابقين، ومنهم أهل العفو، لقوله تعالى: {فاعْفُ عنهم واصْفَحْ إن الله يُحبُّ المحسنين} في المائدة [١٣] وهي مدنيةٌ، وقوله: {فادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين} [الأعراف ٥٦] يدل على أن من دعاه خوفاً وطمعاً، فهو منهم، وإلا لم يكن بين الجملتين مناسبةٌ، وكان بمنزلة أن يقول: إن رحمة الله قريبٌ من الملائكة المطهَّرين، أو الأنبياء والمرسلين.

الآية الثانية: في قوله تعالى في سورة الحديد [١٩]: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ}، والصِّدِّيقُ: فِعِّيل من الصدق، وهو المُبالِغُ في الصدق، قاله ابن الأثير (٣)، وقال في " الضياء ": ومنه " قيل ليوسف: الصِّدِّيق، قال: وقيل: هو كثيرُ التصديق، والقول الأول أولى، لأن فِعِّيلاً من فَعَلَ، مثل سِكِّيت، مِنْ سكت ونحوه، وفيه مبالغةٌ بإدخال الألف واللاَّم على الخبر للحصر، كأنه قال: هم الصِّدِّيقون، لا غيرهم، كما يقول العلماء هم الراسخون، أو هم العاملون (٤). ونحو ذلك.

الآية الثالثة: قوله تعالى في الأحزاب [٨]: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}، فجعل الكافرين مقابلين للصادقين.


(١) تقدم تخريجه ١/ ٢١٢.
(٢) البخاري (٧٤٤٨). وانظر " صحيح ابن حبان " (٣١٥٨).
(٣) في " النهاية " ٣/ ١٨.
(٤) في (ش): " العالمون ".

<<  <  ج: ص:  >  >>