للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية الرابعة: قوله: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِم} [الأحزاب: ٢٤]، ففي ذكر المنافقين عقيب الصادقين دِلالةٌ على أنهم الصادقون في الإيمان؛ لأنه واطأ ما في قلوبهم ما نطقوا به، بخلاف المنافقين الذين قالوا ذلك كذباً، قال الله تعالى في أولِ سورة المنافقين [١]: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون} فكما أنهم كذبوا لعدم مطابقة قلوبهم لألسنتهم، فمن حصلت معه المطابقة، وجب أن يكون صادقاً، ولا خلاف في أنه صادقٌ في اللغة، ولا خلاف أن القرآن يفسَّر باللغة العربية. ويوضح ذلك.

الآية الخامسة: وهي قوله تعالى في العنكبوت، وهي مدنية (١): {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ}، إلى قوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [١ - ١١]، والحجة منها: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين}، فظاهرها يقتضي ما ذكرنا، حيث كان المنافقون قد شاركوا المخلصين في قولهم: آمنَّا، بل في الأقوال والأفعال الظاهرة، أو في كثيرٍ منها، فالفتنة كالمحنة، كما في قوله:


(١) انظر الطبري ٢٠/ ١٢٧، و" الإتقان " للسيوطي ١/ ١٣ و١٤ و٢١ و٢٣، وسورة العنكبوت مكية باتفاقهم إلاَّ أن بعضهم استثنى هذه الآية. قال ابن جرير ٢٠/ ١٢٩: حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن مطر، عن الشعبي، قال: إنها نزلت، يعني: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} الآيتين في أناس كانوا بمكة أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب محمد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة: إنه لا يُقبل منكم إقرار بالإسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة، فاتبعهم المشركون، فردّوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم: إنه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد، قاتلناه، قال: فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ثم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: ١١٠].
وأورده السيوطي في " الدر المنثور " ٦/ ٤٤٩، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>