نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}، إلى قوله:{ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيم}، فجعل العمل وسيلةً إلى قوة الإيمان، فدلَّ على تغايرهما.
ومن ذلك قوله تعالى:{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[المجادلة: ٢٢]، فجعل القلوب محلَّ الإيمان دون سائر الجوارح، وقد بيَّنَ الله أن الإيمان به مراده الأعظم، وأنه أراد ما عداه لتمامه وكماله.
أمَّا أنه أراد ما عداه من أعمالنا لذلك، فهذه الآية المتقدمة شاهدةٌ لذلك، وهي تناسِبُ قول كثيرٍ من المعتزلة: أن الشَّرعيَّات ألطافٌ.
وأما أنه مراده بأفعاله تعالى ومخلوقاته، فلقوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق: ١٢]، وذلك لأن العلم بذلك إيمان، وأشرفُ مراتب الإيمان بذلك العلم به، وهذا سرٌّ عظيمٌ، ينبغي تأمُّلُه وتأمُّلُ شواهده.
فإن قيل: إن الآيات التي عطفت الأعمال فيها على الإيمان حجةٌ على أنَّ الإيمان وحده لا ينفع حتى تنضمَّ إليه الأعمال الصالحات كلها.
فالجوابُ من وجهين:
أحدهما: ما قدمنا أنه أبْيَنُ وأخصُّ وهو قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مُؤمنٌ}، وما وعد الله على العمل الواحد في غير آيةٍ، وما عضد ذلك من السنة كما مرَّ، أو سيأتي.
ثانيهما: أنه يحتمل أن الله إنما عطف عمل الصالحات على الإيمان على جهة الثناء على المؤمنين، وإن لم يكن شرطاً، كما قال في المشركين: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة} [فصلت: ٦ - ٧]، فقوله:{لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة}