للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموت نشيطاً كما فعل هؤلاءِ؟ وهل علم أنَّ أحداً في غيرِ تلك الأعصار أتى إلى أهلِ الوِلايةِ ليقتلُوه؟ وهذه الأشياءُ مما تُنبِّه الغافل، وتُقوي بصيرةَ العاقل، وإلا ففي قولِه تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] كِفايةٌ مع ما عضَدَها من شهادةِ المصطفي -عليه السلام- بأنهم خيرُ القرونِ (١)، وبأن غيرَهم لو أنْفَقَ مِثْلَ أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَه (٢).

وقد ذكر ابنُ عبد البر في ديباجة كتاب " الاستيعاب " جملةً شافيةً مما يدُلُّ على فضل أهلِ ذلك الزمان، وأن ظاهِرَهم العدالةُ كُلّهم إلا مَنْ عُلِمَ جَرْحُهُ بطريق صحيحٍ؛ والجرْحُ جرحانِ: جرحٌ في الدِّيانة، وجرح في الرواية، فأما الجرحُ في الدِّيانة، فيثبتُ بفعل الحرام المقطوعِ بتحريمه سواءً كان فاعلُه متأولاً، أو غيرَ ذلك، مثل حربِ أميرِ المؤمنين -عليه السلام- وغيره مِن الفتن، وقد قبلت الزيديّةُ مَنْ حارب عليّاً وكفَّره من الخوارِج، صانه الله مِن ذكرِ (٣) ذلك -كما سيأتي بيانُه- فكيف يُنْكَرُ على المحدِّثينَ قبُولُ مَنْ حاربه ولم يكفِّره، وعُذْرُ الزيديَّة في قبول الخوارجِ من كونهم متأوِّلين هو بعينه عذرُ أهلِ السنة، ومدركُ العمدِ والخطأ خفيٌّ، بل محجوبٌ لا يَعْلَمُهُ إلاَّ اللهُ، ولذلك جاء في الحديث: " إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أفَتِّشَ عنْ قُلُوبِ النَّاس " (٤) فلذلك رَجَعَ أهلُ السُّنَّة فيه إلى ما ظهر من


(١) تقدم تخريجه ص ١٨٢.
(٢) تقدم تخريجه ص ١٨٠.
(٣) كلمة ذكر لم ترد في (ج).
(٤) أخرجه أحمد ٣/ ٤، والبخاري (٤٣٥١) ومسلم (١٠٦٤) (١٤٤) من حديث أبي سعيد الخدري، ولفظ البخاري " إني لم أومر إن أَنْقُبَ قلوب الناس، ولا أشق بطونهم " ولفظ أحمد ومسلم " إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>