للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه عن قريبٍ يخرج منها، والخروج منها كرامةٌ، ثم يدخل الجنة، ودخولُها كرامة، ثم يخلد فيها مُكرَماً بنص كتاب الله تعالى في أهل الجنة، وذلك أعظم الكرامة، ومن سبقت له الكرامة في علم الله تعالى وأريدت به وله، وكانت عاقبته الدائمة، لم يُرَدْ به الخزيُ والهوان.

وفي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا زنت أمة أحدكم (١)، فتبين زناها، فليحُدَّها الحدَّ ولا يُثَرِّب عليها "، وفي رواية أبي داود: " ولا يعيِّرها " (٢). وقال ابن عبد البر في " التمهيد " (٣) ذكر الحدِّ مُعَلٌّ، غير محفوظٍ.

والقصد بإيراد الحديث الدلالة على أن عُقوبة المسلم قد تخلو من الخزي وقصده كحدِّ التائب والقصاص منه لقوله: " لا يعيِّرها ولا يثرِّب عليها "، فأما الأمر بأذى الزَّانيَيْنِ، فإنما كان مع الحبس حولاً كاملاً، وقد نُسِخَ بالحدِّ .. ورواه أبو داود في ابن عباسٍ أول باب الرجم من الحدود (٤). والله أعلم.

ويشهد لهذا المعنى ما خرَّجه الحاكم في كتاب التوبة من " المستدرك " (٥) من حديث أبي الزِّناد، عن القاسم، عن عائشة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما عَلِمَ الله من عبدٍ ندامة على ذنبٍ، إلاَّ غفَرَ له قبل أن يستغفره منه ". قال الحاكم: هذا حديث صحيح، وسيأتي (٦).

قلت: فلما علم الله أنه صائِرٌ إلى التوبة، لم يُرِدْ عقابه، لأنَّ عِلْمَه الحق


(١) في (ش) و (ف): " إذا زنت الأمة ".
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ٩/ ٩٨.
(٤) برقم (٤٤١٣)، ومن طريقه أخرجه البيهقي ٨/ ٢١٠، وإسناده حسن.
(٥) ٤/ ٢٥٣، وفيه هشام بن زياد، قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، وقال النسائي والذهبي: متروك، وأورد الحديث المنذري في " الترغيب والترهيب " ٤/ ٩٨، وقال: هشام بن زياد ساقط.
(٦) ص ٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>