لا نسلِّمُ أن كل واحدٍ منها على انفراده يُسَمَّى ديناً، بدليل أن تاركه وحده ليس بمرتدٍّ عن الدِّين، وهذا يرجع إلى أن حكمَ الجملة لا يجب لأفرادها، وهذا هو الصحيح في الأمور الشرعية كالإجماع. ألا ترى أن حكم البعض من الفريضة غير حكم الكُلِّ، فقد يكون البعض ظنياً، ولأن مؤدَّى البعض غير خارجٍ من عهده التكليف كمؤدَّى الكُلِّ، وعلى تسليم الجميع، فإن المعتزلة أدخلت في الدين ترك جميع الكبائر، مع أداء جميع العبادات، وهذا الترك غير مذكورٍ في الآيات التي ذكروها، ومع أن فاعل بعضِ الكبائر غير مرتَدٍّ وفاقاً.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم}[التحريم: ٨]، وصاحب الكبيرة يجوز دخوله النار عند الجميع ما خلا المرجئة، ومن دخل النار، فقد أُخزي لقوله:{من تدخل النار فقد أخْزَيْتَهُ}[آل عمران: ١٩٢].
والجواب: أن هذا تمسك بالعمومات البعيدة المخصوصة، ولو لم يَرِدْ إلا هذا القدر في السمع، لم يقع بين العارفين في ذلك خلافٌ، وإنما يحتاج إلى الفهم الصحيح في الجمع بين مختلفات الأدلة، وقد دلَّ السمع على أن الخزي يختص بالكافرين، لقوله تعالى:{إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين}[النحل: ٢٧]، وذلك لِمَا ينكشِفُ من كذبهم ودعاويهم لربوبية الأصنام وسائر المخلوقين، كما قال الله تعالى:{وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين}[النحل: ٣٩].
ووجه الحصر أن الألف واللاَّم في الخزي تفيد العموم على ما هو مقرر في الأصول، بدليل صحة الاستثناء من ذلك، فهو كقوله:{وأن المسرفين هم أصحاب النار}[غافر: ٤٣]، وغير ذلك.
والوجهُ المعقولُ في ذلك أنه لما ثبت في الصِّحاح أن من دخل النار من المؤمنين فخرج منها، مخلوقٌ للخلود في دار الكرامة من جملة أهل الجنة المُكْرَمين بنصِّ كتاب الله تعالى، لم يجب القطع بأنه أُدخِلَ النار ليخزَى ويُهانَ،