للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث علي عليه السلام: " ألا أخبركم بأفضل آيةٍ في كتاب الله، حدثنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠]، وسأفسِّرُها لك يا عليُّ: ما أصابكم من مصيبةٍ أو مرضٍ أو بلاءٍ في الدنيا، فبما كسبت أيديكم، والله أكرمُ من أن يثنِّي عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله عنه في الدنيا، فالله أحلم من أن يعودَ بعد عفوه ". رواه جماعة، منهم الترمذي والحاكم وابن ماجه وأحمد في " المسند "، وأبو يعلى وهذا لفظهما (١).

وشهد له أحاديث المصائب. قال ابن عبد البر في " التمهيد ": إنه مجمعٌ عليها، فلا يخرُجُ من حديث ابن عمر مؤمنٌ على جهة القطع، لأنَّ المستور في الدنيا داخلٌ فيه، ومن لم يستره في الدنيا، يجوز أنه عُوقِبَ في الدنيا.

بقي أن يُقال: لا يدل على سلامة كل المؤمنين من دخول النار، إنما يدل على سلامة المستورين منهم.

فالجواب: إنا إنما استدللنا به (٢) على أن الخِزْيَ والإهانة تخصُّ الكفار والمنافقين، وهذه الدِلالة لم يحصُل لها معارضٌ صريحٌ، إلاَّ ما توهَّموا من مفهوم: {من تُدْخِلِ النارَ فقد أخْزَيْتَهُ} [آل عمران: ١٩٢]، وهي حكايةٌ حكاها الله تعالى من كلام أهل الإسلام وظاهرها في الكفار، لقوله عقيبها: {وما للظالمين من أنصارٍ}، وقد قال تعالى: {والكافرون هم الظالمون} [البقرة: ٢٥٤]. وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفسيرُ الظلمِ بالشرك في قوله: {ولم يَلبِسُوا إيمانهم بِظُلْمٍ} (٣) [الأنعام: ٨٢]، وقدمنا في ذلك من النظر العقلي، والآثار النبوية المفسَرة المفصلة، فكما أنها مقبولةٌ في العبادات التي نحنُ أحوجُ


(١) أخرجه أحمد ١/ ٩٩ و١٥٩، والترمذي (٢٦٢٨)، وابن ماجه (٢٦٠٤)، وأبو يعلى (٤٥٣)، وعبد بن حميد (٨٧)، وصححه الحاكم ٢/ ٤٤٥، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن غريب.
(٢) " به " ساقطة من (ش).
(٣) انظر ص ١٨٧ من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>