وسرُّ هذا الجواب: أن المعيَّة تصحُّ أن تكون معيةً باعتباراتٍ مختلفةٍ، والحقيقة متعذِّرَة، وأبعدُ التقديرات مذهب المعتزلة، والذي يدلُّ على ما ذكرتُ من كثرة اعتباراتها أنه قد ورد القرآنُ بأن الله مع الصَّابرين والصادقين، وبأنه مع كل أحدٍ، فالمعية الأولى بالنَّصر والإعانة، والثانية بالعلمِ، والعُمْدَةُ القرائن في هذا الباب، وإذا جاز تخصيصُ الحقائق (١)، فكيف المجازات. والله سبحانه أعلم.
الجواب الثاني: أنه لا يَصْدُقُ إذا أُخزِيَ مؤمنٌ واحد أو بعضُ المؤمنين، أن الله قد أخزى المؤمنين، ولا تصحُّ هذه العبارة، ولا سيما وهي تُوهِمُ أن الإيمان هو سببُ الخِزْي، إنما يُقال: إن الله قد أخزى من عصاه بارتكاب المُوبقات من المؤمنين، وهذه مسألةٌ معروفةٌ في أصول الفقه والعربية، وهي أن الإثبات يفيد العموم دون النفي، فإذا قلت: قام القوم، أفادَ العموم، ولم يَجُزْ أن يكون أحدٌ منهم غيرَ قائمٍ، إلاَّ أن يُخَصَّ باستثناءٍ متَّصلٍ، أو دليلٍ مُنفصلٍ، وأما إذا قلتَ: ما قامَ القَومُ، لم يدل على نفي القُعود عن جميعهم، ولكن يدل على نفي القيام عن جميعهم، ويبقى آحادهم موقوفين على دليلٍ آخر، وهذا نظير الآية، والحمد لله.
الجواب الثالث: أنه يجوز أن تكون الجملة التي بعدها حاليَّةً مقيَّدةً لِمَا أُطلِقَ في الجملة الأولى من الأحكام، بل ذلك أقربُ إلى ارتباط الكلام بعضه ببعضٍ، وذلك أنه قد حصل شرطُ جواز ذلك مع ما فيه من حُسْنِ ارتباط الكلام، ومراعاة أسباب ارتباطه، وذلك أن شرط صحة ذلك أن يكون في الجملة الثانية ضميرٌ يرجعُ إلى الأولى، أو حرف عطفٍ، وقد حصل الضمير هنا رابطةٌ بين الجملتين، فجاز أن يكون المعنى: أن الله لا يخزي المؤمنين في حال سَعْي نُورِهم بين أيديهم، ويمكن أن تعذيبَ المُعَذَّب منهم ودخوله النار كان قبل هذه الحالة، فإن هذه حالة إكرام، والإكرام لا تعقبه الإهانة، بخلاف العكس، وقد يمكن على بعده متى كانت الإهانة في معنى العقوبة، والكرامة