للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخفى، وزجرَ عَنِ الاستهانة والاستحقار بالمسلم، لجهالة باطنه. فالوليُّ مخبوءٌ في الناس لا يُدرى أيُّهم هو، كما أن الرضا مخبوءٌ في الطاعات لا يُدرى في أيِّها هو، والسُّخطُ -نعوذ بالله منه- مخبوءٌ في المعاصي، لا يُدرى في أيِّها هو.

ولذلك قال الله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: ١١].

والذي يوضِّحُ ذلك أن المتقي في اللغة: هو من اتَّقى شيئاً ما، والاشتقاقُ يحصل بفعلٍ واحدٍ، كما يُسمَّى القاتل قاتلاً بقتل نفسٍ واحدةٍ، والعاصي عاصياً بركوب معصيةٍ واحدةٍ، فكذلك يُسمى المؤمنُ متَّقِياً باتِّقاء أعظم الذنوب، وهي جميع ذنوب الكفر على أكثر صورها، لكنه يجمعُها التَّكذيب بالله، أو شيءٍ من كُتُبِه، أو بأحدٍ من رُسُله، أو الاستهانة بشيءٍ من ذلك، فمتى وحَّدَ العبدُ ربَّه، وأخلص توحيده من النِّفاق، واتَّقى الكفر وجميع أنواعه، وأخلص في ذلك، فقد حصل في أدنى مراتب التقوى، بحيثُ تصحُّ منه العبادة، ويُرجى له قَبُولُها، وأن يخرج من جملة من لا تصح له عبادةٌ من أهلِ الكفر، وفيهم إن شاء الله يقول الله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧]، لإجماع المسلمين على خطاب صاحب الكبيرة بالعبادات ووجوبها عليه وصحتها منه، لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: ٥٤] الآية. فهذا حصرٌ لموانع القبول في الكفر، ولله الحمدُ.

ويدل على ذلك من السنة الصحيحة دلالةُ النُّصوصية:

الحديثان المقدَّمان في تفسير الإحسان: بإخلاصِ الإسلام من النِّفاق، أحدهما عن أبي هريرة، والآخر حديث عبد الله بن مسعودٍ، متَّفقٌ على صحَّتِهما.


= لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ها هنا"، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. " بحسب امرىء من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم. كلُّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>