للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي " الصحيحين " (١) من حديث أبي هريرة، عنه - صلى الله عليه وسلم -: " يضحَكُ الله لرجُلين، يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخُلُ الجنة، يُقتل هذا، فيَلجُ الجنة، ثم يتوب الله على الآخر، فيهديه إلى الإسلام، ثم يُجاهِدُ فيُسْتَشْهَدُ ".

وقد تدل بعض القرائن على تفسير التوبة بذلك، كما جاء في حديث أبي أُمية المخزومي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بلِصٍّ اعترف اعترافاً، ولم يوجد معه متاعٌ، فقال له: " ما إخالُك سرقت ". قال: بلى، قال: " اذهبوا به، فاقطعوه، ثم جيئوا به "، فقطعوه، ثم جاؤوا به، فقال له: " قل: أستغفِرُ الله وأتوب إليه "، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: " اللهم تُبْ عليه ". فهذا رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من طرق كلها عن حمَّاد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبي المنذر مولى أبي ذر، عن أبي أمية به (٢).

فتعليقه الأمر بالقول من غير قرينةٍ، ولكنها هنا معارضة باعترافه، وقد يأتي الوعد معلقاً بالقول من غير قرينةٍ معارضةٍ، بل مع قرينةٍ أُخرى، كذكر يوم الجمعة: " من قال يوم الجمعة بين الأذان والإقامة ثلاث مرات: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلاَّ هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر الله له ". رواه ابن السُّنِّي، عن أنس.

فالتوبة هنا تقوى بالقرائن أنها اللغوية لِمَا ذكرنا من تعليقها بالقولِ والاشتراط المخصوص، وتكرير ذلك ثلاثاً، ونظائره كثيرةٌ، والله أعلم.


(١) البخاري (٢٨٢٦)، ومسلم (١٨٩٠)، ومالك ٢/ ٤٦٠، وابن حبان (٢١٥).
(٢) أخرجه أحمد ٥/ ٢٩٣، وأبو داود (٤٣٨٠)، والنسائي ٨/ ٦٧، والطبراني في " الكبير " ٢٢ (٩٠٥)، والبيهقي و٨/ ٢٧٦. وأبو المنذر مولى أبي ذر: لم يرو عنه غير إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وقال الذهبي في " الميزان ": لا يعرف، ولذا قال الخطابي في " معالم السنن " ٣/ ٣٠١: في إسناد هذا الحديث مقال، والحديث إذا رواه مجهول، لم يكن حجةً، ولم يجب الحكم به.

<<  <  ج: ص:  >  >>