للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثوبته، أو قيام الحجة عليه، فيعمل مطابقاً لسابق القَدَرِ في اختياره، وقيام الحجة عليه، فلو كان مجبوراً غير مختار، لم يقع ما أراده الله تعالى من اختياره وقيام الحجة عليه به، ومراد الله واجب الوقوع قطعاً، عقلاً وسمعاً، ولو لم يسبق تقدير الله لذلك الاختيار ومشيئته، لم يقع ذلك البتة، لأن الله هو المكلف المريد للتكليف، المقدر له ولمقدماته وتوابعه، وهو العزيز العليم، القدير الحكيم، الخبير، فبعزته استقل بسابق التقدير والمشيئة، وبحكمته أقام الحجة على عباده بالاختيار على جميع البرية، والعمل مع القدر صحيح (١)، والجمع بينهما لازم، وقد بينت الوجوه العقلية والسمعية في ذلك في موضعه من هذا الكتاب فيما تقدم مستوفى (٢).

وأما التفسير الثاني؛ فلو كان كما زعم، لناقض قوله: " وأبوء بذنبي "، فإن من أبلى في (٣) الوفاء بأوامر الله على قدر وسعه وطاقته، فقد خرج من العهدة.

وقد نص الله تعالى على أنه لا يكلف نفساً إلاَّ وسعها، وإلا ما آتاها، وقال: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢]، مع أنه قد ناقض أوله بقوله في آخره: وإن كنت لا أقدر على أن أبلغ كنه الواجب فيه، ولزمه فيه ما لزم صاحب التفسير الأول، وهذا عارض، ولكنه محتاج إليه، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر في دُعائه ومناشدته لربه عز وجل: " اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك "، رواه البخاري من حديث خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس في الجهاد والمغازي، والتفسير (٤).

وفيه جواز أن يكون تفسير العهد والوعد في سيد الاستغفار مثل تفسيرهما في هذا الحديث، فيقرب من أن يكون معناه: إني على انتظار ما عهدت ووعدت


(١) في (ف): " الصحيح ".
(٢) من قوله: " في موضه " إلى هنا ساقطة من (ش).
(٣) في (ش): " من ".
(٤) أخرجه البخاري (٢٩١٥) و (٣٩٥٣) و (٤٨٧٥) و (٤٨٧٧)، وأحمد ١/ ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>