للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتخصيصه بالذكر؟ فإن الخصم ملتزم لعدالته، ومطالب بإبداء المانع منها، فإن قال السَّيِّد: إنَّ بولَه في المسجد يمنع من العدالَة، لأنَّه محرَّم.

فالجواب عليه: أن الجرحَ بذلك غيرُ صحيح، لأنَّه لا دليلَ على أنَّه فعله وهو يعلمُ بالتحريم، ويقوِّي هذا أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - منع مِن قَطْعِ درَّتِهِ، ونهي من نهاه، وقال: " إنَّ منْكمْ مُنَفِّرينَ " (١) ولو كان في فعله متعمداً لارتكاب ما حرَّمه اللهُ -تعالى- مجترئاً معانداً لم يستحق هذا الرفق العظيم، ولكان الأشبه أن يُزجر عن الجرأة، وهذا مقوٍّ فقط.

والمعتمد أنَّ الأصل جهله بالتحريم، لكنِّا تقوينا بأنه -عليه السلامُ- رَفَقَ به، ولان له لجهله بذلك -والله أعلم-.

فإن قال السَّيِّد -أيده الله-: إنَّ ذلك يقدح في العدالة من أجل دِلالته على الخِسَّة وقلة الحياءِ والمروءة، إذ البولُ في حضرة الناس يَدُلُّ على ذلك، كما يقدح بأمثال ذلك من المباحات، كالأكل في الأسواق.

قلنا: الجواب أنَّ هذا مما يختلِفُ بحسب العُرف، وقد كانت الأعرابُ في ذلك الزمان وفي غيره لا تستنكِرُ مثلَ ذلك في باديتها، فكل ما كان يعتادُهُ أهلُ الصيانة من المباحات في بلدٍ أو زمانٍ لم يقدح في عدالة أحدٍ من أهل ذلك الزمان، ولا مِن أهل ذلك المكان. وقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي في المدينة بغير ردَاءٍ، ولا نعلٍ، ولا قَلنْسُوَةٍ يعود المرضى كذلك في أقصى المدينة. ومثل هذا في غير ذلك الزمان، وفي بعضِ البُلدان مما يتكلم بعضُ أهلِ الفقه في قبولِ فاعله لعرف يختصُّ بتلك البلدة، وبذلك الزمان، ولم يكن هذا مستنكراً في زمانه -عليه السلام-


(١) تقدم تخريجه ص ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>