للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّابر، فلا إطلاقَ فيها، بل يكون بعض الأغنياء أفضل من بعض الفقراء، لتعاظُمِ صدقاته وخيراته، كما جاء في حديث: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ " لمَّا شكى الفقراء أن الأغنياء عملوا مثل عملهم، وزادوا عليهم بالصدقات والعِتْقِ ونحو ذلك. وهو حديث صحيح (١)، ولكن الغنى الذي يعمل ذلك قليلٌ، وقد يكون بعض الفقراءِ أفضل، وهو الأكثر، لِمَا ورد من الأحاديث، فإنها خرحت مخرج الأكثر لمَّا كان المال حين يحصل (٢) محبوباً: {وأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: ١٢٨]، كما قال تعالى، ولذلك استعاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتنة الفقر، وفتنة الغنى، ولأن الحلال قليلٌ ولعلَّ المكثرين غيرُ محلِّين.

وفي " البخاري " (٣)، عن خولة الأنصارية، عنه - صلى الله عليه وسلم -: " إن رجالاً يتخوَّضُونَ في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة ".

وقد تقدم الكلام على هذا في أول الكتاب. وقد تكلم القرطبي على ذلك في " تذكرته " (٤) وأجاد، ويشهد لما ذكرتُه من التفضيل حديث أبي ذرٍّ المشهور في ذلك، خرَّجه البخاري ومسلمٌ من حديث عبد العزيز بن رُفَيعٍ، عن زيد بن وهبٍ، عن أبي ذرٍّ، قال: خرجتُ ليلةً من الليالي، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي وحده، فظننتُ أنه يكرهُ أن يمشي معه أحدٌ، فجعلتُ أمشي في ظلِّ القمر، فالتفتَ، فرآني، فقال: " من هذا؟ "، قلت: أبو ذرٍّ -جعلني الله فداك- قال: " يا أبا ذرّ تعاله ". فمشيت معه ساعةً، فقال: " إن المُكثِرِيَن هم المقلُّون يوم القيامة إلاَّ من أعطاهُ الله خيراً، فنفخ فيه يمينه، وشماله، وبين يديه، ووراءه، وعمل فيه خيراً ". الحديث (٥).


(١) تقدم تخريجه ٨/ ١٩٢.
(٢) " حين يحصل " ساقطة من (ش).
(٣) برقم (٣١١٨)، وأخرجه بنحوه الترمذي (٢٣٧٥).
(٤) ص ٤٦٩ - ٤٧٣.
(٥) أخرجه البخاري (٦٤٤٣)، ومسلم (٩٤)، وانظر تمام تخريجه عند ابن حبان (١٧٠) و (١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>