للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن النفس تَقْوَى بالغنى على نيل الشهوات الحلال، وتستمر على ذلك، فيضعُفُ صبرُها، وتقوى صولتُها على القلب، فربما لم تجد ما قد ألِفَتْ من الحلال، فتأخذه من شُبْهَةٍ، وذلك أميلُ، ولكن قد تأخذه من حرامٍ، وأيضاً قد تشتهي شهوةً محرَّمةً، وقد ألِفَتِ الشهوات، وتمكَّنت بالغنى من تلك الشهوة المحرمة، فيكون التَّمكُّن سبباً للهمِّ، والهمُّ سبباً للعزم، والعزم سبباً للوقوع، والوقوع سبباً للمداومة، والمداومة سبباً لسوء الخاتمة.

وأعظم من ذلك كله، شغلُ النفس بالغنى عن ذَوْقِ الافتقار إلى الله تعالى، ومداومة التَّضرُّع، ولزوم المناجاة، ومما قاله أهل التصوف والرياضة في ذلك: قول ابن الفارض (١):

وأقبل إليه وانحُه (٢) مُفلساً فقد ... وَصَيْتَ لِنُصْحي إنْ قبلتَ نصيحتي

قال الشارح (٣): مفلسٌ من كل وسيلةٍ وعلمٍ وعملٍ. يعني: لا يعتد (٤) بها مع حصولها، لا (٥) أنه يتركها.

بِذاكَ جَرى شرطُ الهوى (٦) بين أهلِهِ ... وطائفةٌ بالعهدِ أوْفَتْ فَوَفَّتِ


(١) في ديوانه ص ٥٠ - ٥١.
(٢) في " الديوان ": " وأقبل إليها وانحها ".
(٣) هو سعد الدين محمد بن أحمد الفرغاني المتوفى سنة (٧٠٠ هـ) وهو تلميذ ابن الفارض، وقد شرح القصيدة بالفارسية ثم بالعربية، وسمَّى الشرح. " منتهى المدارك "، وهو كبير أورد في أوله مقدمة في أحوال السلوك. انظر " كشف الظنون " ١/ ٢٦٥ - ٢٦٦.
(٤) في (ف) و (د): " بمعنى ألا يعتدّ ".
(٥) في (ف): " إلاَّ أنه ".
(٦) في " الأصول ": " التُّقى "، والمثبت من " الديوان ".

<<  <  ج: ص:  >  >>