للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك، فإنا نقول: إنَّه يسَمَّى فاسقاً في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي الوقت المتأخر لكنِ التسميتان مفترقتانِ فالمتقدمة في زمانه عليه السلامُ لغوية غيرُ سابقة إلى الأفهام إلا بقرينةٍ، والتسميةُ المتأخرة في زماننا عُرفية سابقة من غير قرينة، وهذا شيء لم ينصَّ أهلُ البيت على خلافه.

فإن قلتَ: فقد ورد في القرآن الفسقُ لغيرِ الكفر في مثل قوله تعالى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَان} [الحجرات: ١١] وقوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَان} [الحجرات: ٧]، وقوله: {ذَلِكُمْ فِسْق} [المائدة: ٣]، وقوله: {فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢].

فالجواب: أنا لم نَدَّع أن الفسقَ لم يرد في الكفر بل قلنا: إِنه فيه حقيقة عرفيةٌ سابقةٌ إلى الأفْهام مِن غير قرينة وهو في غيره حقيقةٌ لغوية، وذلك مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " إنَّ النِّسَاءَ كَوَافِرٌ " قَالُوا: يا رسولَ اللهِ يكفرن بالله؟ قال: " لا، يَكْفُرْنَ العَشِيرَ " (١)، فلم يكن هذا مانعاً مِن كون الكفر في ذلك الزمان اسماً عرفياً لما يخَالِفُ الإِسلامَ، وفي الحديث من هذا القبيل شيء كثير.

فإن قلتَ: فهذا يقتضي أن الفِسقَ يَشْمَلُ الكفرَ وسائرَ الكبائر، وأن دخولها في هذه الآيةِ على السواء (٢)، فلم قلتَ: إن إطلاقه في ذلك الزمان على الكافر كان أسبقَ إلى الأفهام؟


(١) أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري، البخاري (٣٠٤) و (١٤٦٢) ومسلم (٧٩) والنسائي ٣/ ١٨٧، والبغوي في " شرح السنة " (١٩) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على النساء فقال: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ... " ولفظ المصنف لم أقف عليه وربما يكون رواه بالمعنى.
(٢) في (ب): سواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>