قلتُ: لأن القرآن قد دلَّ على اسم الفاسق والفاسقين مما يختصُّ بالكفار، كقوله تعالى. {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُون}[التوبة: ٦٧] فأفاد قصرَ الفاسقين على المنافقين كما هو معروف في علم المعاني، فلو كان كما ذكرت، لكان يكون الحقيقة أن المنافقين هم بعضُ الفاسقين، وكذلك قوله تعالى:{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[يونس: ٣٣]، وقوله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّار}[السجدة: ٢٠] إِلى قوله: {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[السجدة: ٢٠]، والدلالات في هذه الآيات ظاهرة، وهذا هو الأكثرُ من النصوص القرآنية، وقد جاء في القرآن ما يَدلُّ على اختصاص أهلِ الكبائر بهذا الاسم، ولكِن مجيئاً قليلاً، وذلك قولُه تعالى:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: ٤] فهذا ظاهِرُه متعارض، ولا بُدَّ من العدول عن الظاهر إما من الحقيقة العُرفية إلى اللغوية، وإما من الحقيقة إلى المجاز، وكلاهما لا يجوزُ إلا لضرورة، والتجوزُ فيما ورد قليلاً نادراً أولى مِن التجوُّز في الأكثريِّ المستمِر.
فإن قلت: فقد ورد اسمُ الفسق لغير الكفر كثيراً غير نادر كما قدمناه آنفاً.
قلت: على تسليم التساوي في الكثرة، فليس هذا موضع النزاع، فإنا إنما نازعنا في الفاسق والفاسقين ونحو ذلك مما ورد بصيغة فاعل، وذلك لأنَّه إذا ثبت في اسم الفاعل عُرْفٌ لم يلزم في المصدر كالدَّابة والدَّبيب، فإن الدابة في العرف للبهيمة المعروفة، والدَّبيب لا يختص بها، سلمنا أنَّه لا يكونُ التجوز في النادر أولى، فنحن نقول: أحدهما مجاز، والآخرُ حقيقة، فدل بدليل قاطع على أن المجاز هو إطلاق الفسق