للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقَلَةِ أصحاب النَّهروان (١) وغيرهم، وكانوا في أمرهم بين راوٍ عنهم، وعاملٍ على مقتضى الرواية، وساكتٍ عن الإِنكار، وذلك يُفيد معنى الإِجماع، ولأنَّهم لما افترقوا، لم يختلفوا في أن الكذبَ لا يجوزُ، بل المعلوم من حالِهِم التشديدُ على مَنْ فعل ما يعتقدون قُبْحَهُ، أو كذب في شيء من كلامه.

ومن ذلك ما رُوي أن الخوارجَ لما نادت قَطَرِيَّ بنَ الفجاءة (٢) من خلفه: يا دابَّة يا دابة، فالتفت إليهم، وقال: كفرتُم، فقالوا: بل كفرت لِكذبك علينا وتكفيرك إيانا، وما قلنا لك إلاَّ ما قال اللهُ سبحانه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] ثم قالُوا له: تُبْ من تكفيرك إيَّانا، فقال لعُبيدة بن هلال (٣): ما ترى؟ قال: إن أقررت بالكفر، لم يقبلوا توبتَك، ولكن قُلْ: إنَّما استفهمتكُم، فقلتُ: أكفرتم؟ فقالوا: لا ما كفرنا. ثم انصرفوا، فإذا كان الأمرُ كما ترى، كان من يقول: من كذب، كفر، روايتُه أولى من رواية مَنْ يقول: من كذب


= عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مئة وأربعة عشر حديثاًً، اتَّفق الشيخان له على خمسة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بأربعة. قُتل في آخر سنة أربع وستين. " سير أعلام النبلاء " ٣/ ٤١١.
(١) بليدة قديمة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي، وفيها سنة ٣٨ هـ كانت وقعة بين أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وبين الخوارج، قُتل فيها رأس الخوارج عبد الله بن وهب السبأي وأكثر أصحابه. " العبر " ١/ ٤٤.
(٢) هو الأمير أبو نعامة التميمي المازني، الفارس المشهور، رأسُ الخوارج، خرج زمن ابن الزبير، وهزم الجيوش، واستفحل بلاؤه، وقد كسر جيش الحجاج غير مرة، وغلب على بلاد فارس، وله وقائع مشهودة، وشجاعة نادرة، وشعر فصيح سائر، وخُطب بليغة، وقد استوفي أخبارَه المُبَرّدُ في " الكامل " ٣/ ٣٥٥ وما بعدها، وقد قُتل سنة تسع وسبعين هـ " سير أعلام النبلاء " ٤/ ١٥١ - ١٥٢.
(٣) هو عُبَيدة بن هلال اليَشكري، من رؤساء الأزارقة، وشعرائهم، وخطبائهم، كان مع قطري بن الفجاءة، ثم ولي بعده أمر الخوارج، قتله سفيانُ بن الأبرد الكلبي سنة (٧٧) هـ في حصن قُومِس بجبالِ طبرستان، وانظر " البيان والتبيين " للجاحظ ١/ ٥٥، و" الاشتقاق " لابن دريد: ٣٤٣، و" الكامل " لابن الأثير ٤/ ٤٤١ - ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>